وهذا المذهب جاء مقابلا لمذهب الوعيدية في مرتكب الكبيرة، فإن الوعيدية يرون خلود من دخل النار فيها حتى لو كان موحدا، ويوجبون العذاب في حق أهل الكبائر؛ لشمول نصوص الوعيد فيهم. ويرون أن نصوص الوعد لا تتناول إلا مؤمنا، والفساق ليسوا بمؤمنين، فلا يدخلون في الوعد؛ لأنهم لا حسنات لهم؛ لأنهم لم يكونوا من المتقين، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27]، وقال: فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 28]، فهذه النصوص وغيرها تدل على أن العمل لا يقبل إلا مع التقوى، والوعد إنما هو للمؤمن، وهؤلاء ليسوا بمؤمنين، وأن فعل السيئات يحبط الأعمال (?).وأولوا قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر: 32] على أن السابقين هم الذين يدخلونها، وأن المقتصد، أو الظالم لنفسه لا يدخلها (?).فهنا عارضهم واقفة المرجئة وغلاتهم بنصوص الوعد، فإنها قد تتناول كثيرا من أهل الكبائر (?).وأمام دعوى الوعيدية أن نصوص الوعيد عامة، فتشمل أهل الكبائر، قابلهم غلاة المرجئة، فأنكروا العموم، وقالوا: ليس في اللغة عموم، وإنما التزموا ذلك؛ لئلا يدخل جميع المؤمنين في نصوص الوعيد (?).وأولوا قوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27]، بأن المراد به: من اتقى الشرك والكفر، وقالوا: الأعمال لا تحبط بمجرد السيئات، وإنما تحبط بالكفر فحسب، كما قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65]، وقال: وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة: 5] (?).وقالوا: إن قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر: 32 - 33]، إخبار من الله تعالى أن الثلاثة يدخلون الجنة، لا السابق فقط كما زعمت الوعيدية (?).واستدل بعض من أنكر دخول أحد من المحدين النار بقوله تعالى: فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل: 14 - 16]، فقالوا: إن النار لا يدخلها إلا الكافر، والموحد ليس كذلك (?).