الأشاعرة في مسألة الاستثناء في الإيمان موافقون أهل السنة من جهة، ومخالفون لهم من جهة أخرى.
أما جهة الموافقة فهي أنهم يقولون بالاستثناء، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
"وأبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان، مع أنه نصر المشهور عن أهل السنة من أنه يستثنى في الإيمان، فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله".ثم علق على هذا الموقف من الأشعري بقوله: "وهو دائما ينصر في المسائل التي فيها النزاع بين أهل الحديث وغيرهم قول أهل الحديث، لكنه لم يكن خبيرا بمآخذهم، فينصره على ما يراه هو من الأصول التي تلقاها عن غيرهم، فيقع في التناقض ما ينكره هؤلاء وهؤلاء" (?).وهذا هو وجه مخالفة الأشاعرة لأهل السنة في مسألة الاستثناء، وهي أنهم بنوه على مأخذ مخالف لمآخذ السلف، إذ بنوه على مسألة الموافاة، وهي ما مات عليه العبد، ووافى ربه به (?).يقول شيخ الإسلام: "وأما الأشعري، فالمعروف عنه، وعن أصحابه: أنهم يوافقون جهما في قوله في الإيمان، وأنه مجرد تصديق القلب أو معرفة القلب، لكن قد يظهرون مع ذلك قول أهل الحديث، ويتأولونه، ويقولون بالاستثناء على الموافاة" (?).ويقول: "فهؤلاء لما اشتهر عندهم عن أهل السنة أنهم يستثنون في الإيمان، ورأوا أن هذا لا يمكن إلا إذا جعل الإيمان هو ما يموت العبد عليه، وهو ما يوافي به العبد ربه، ظنوا أن الإيمان عند السلف هو هذا، فصاروا يحكون هذا عن السلف، وهذا القول لم يقل به أحد من السلف ولكن هؤلاء حكوه عنهم بحسب ظنهم؛ لما رأوا أن قولهم لا يتوجه إلا على هذا الأصل" (?).والأشاعرة لما قالوا بالموافاة (?) انقسموا إلى فريقين:
الفريق الأول: جعلوا الموافاة شرطا في صحة الإيمان وحقيقته في الحال، وكونه معتدا به عند الله تعالى، ومن ثم يوجبون الاستثناء في الحال. وإلى هذا ذهب الأشعري، وهو اختيار ابن فورك (?)، ونسبه الأنصاري إلى سلف أصحاب الحديث، والأكثرين (?).
وقد نقل شيخ الإسلام عن الأنصاري قوله: "وقد ذكرنا اختلافهم - يعني أصحابه الأشاعرة - في الموافاة، وأن ذلك هل هو شرط في صحة الإيمان وحقيقته في الحال، وكونه معتدا عند الله به وفي حكمه.
فمن قال إن ذلك شرط فيه يستثنون في الإطلاق في الحال، لا أنهم يشكون في حقيقة التوحيد والمعرفة، لكنهم يقولون لا يدري أي الإيمان الذي نحن موصوفون به في الحال هل هو معتد به عند الله، على معنى أنا ننتفع به في العاقبة، ونجتني من ثماره.
فإذا قيل لهم: أمؤمنون أنتم حقا؟ أو تقولون: إن شاء الله؟ أو تقولون: نرجو؟