فالرضا بأولوهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه ورجائه، والإنابة إليه، والتبتل إليه، وانجذاب قوي الإرادة والحب كلها إليها، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له.

والرضا بربوبيته: يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن أفراده بالتوكيل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه، وان يكون راضيا بكل ما يفعل به.

فالأول: (أي رضا الألوهية): يتضمن رضاه بما أمر به.

والثاني: يتضمن رضاه بما يقدر عليه.

وأما الرضا بنبيه رسولا: فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه - بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدي إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضي بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهرة وباطنة.

لا يرضي في ذلك بحكم غيره، ولا يرضي إلا بحكمه، فان عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم، واحسن أحواله إن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور (?).

وأما الرضا بدينه: فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهي رضي كل الرضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليما - ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده أو شيخه وطائفته " (?).

ولهذا جاء هذا الرضا بأنواعه مبينا في سورة الأنعام التي هي سورة التوحيد العظمى، فقد اشتملت علي ثلاثة أنواع من الرضا هي جماع التوحيد كله:

1 - الرضا بالله ربا لا شريك له في التقرب والتأله والتعبد:

قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164].

2 - الرضا بالله حكما لا شريك له في التشريع والطاعة:

أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام:114].

3 - الرضا بالله وليا لا شريك له في محبته وموالاته:

قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام:14].

وقد شرح ذلك الإمام ابن القيم فقال: " الرضا بالله ربا: إلا يتخذ ربا - غير الله تعالي - يسكن إلى تدبيره وينزل به حوائجه، قال تعالي: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164] قال ابن عباس رضي الله عنهما: " سيدا والها "، يعني فكيف أطلب ربا غيره وهو رب كل شيء؟ وقال في أول السورة: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164] يعني معبودا وناصرا ومعينا وملجأ، وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة.

وقال في وسطها: أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [الأنعام:114]، أي أفغير الله ابتغي من يحكم بيني وبينكم فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه؟ وهذا كتابه سيد الحكام، فكيف نتحاكم إلى غير كتابة؟ وقد أنزله مفصلا مبينا كافيا شافيا؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015