ومعنى نهيه تعالى عن الفرقة في قوله: ولا تفرقوا: أي لا تفرقوا في دينكم كما افترقت اليهود والنصارى في أديانهم ولا تفرقوا متابعين للهوى والأغراض المختلفة (?).ويجب أن يعلم المؤمن أن الاجتماع على الحق والبعد عن الفرقة مما أمرنا الله به ورضيه لنا ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)) (?).فالله سبحانه حثنا على الاجتماع وأمرنا بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض وهذه إحدى قواعد الإسلام (?).

ولكن لا يكون الاجتماع لمجرد الاجتماع, فالأمر بالاجتماع ليس اجتماع على أي شيء أو اجتماع على لا شيء, بل اجتماع على الدين اجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله الاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل بنصوص الشريعة كلها.

وفي هذا رد على كل مدعٍ مطالب باجتماع الأمة لمجرد الاجتماع والسكوت عن باطل المخالف من أهل الأهواء وترك الإنكار عليه في بدعته حتى لا يتعكر صفو هذا الاجتماع أو التقارب المزعوم ورحم الله الإمام القرطبي إذ يبين الأساس الذي ينبغي أن يكون عليه الاجتماع وبه تتحقق وحدة الصف فيقول: فأوجب الله تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملا وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين والسلامة من الاختلاف. ويسبق الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله القرطبي في هذا المعنى ويبين أن اجتماع الأبدان ليس بمعتبر ولا مقصود بل المقصود والمعتبر الاجتماع على طاعة الله ورسوله الاجتماع على الحق فيقول بعد أن بين أن الأمر بلزوم جماعة المسلمين ليس له إلا معنى واحد ذلك أنه: إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئا فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا ما عليهم جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015