إن الإيمان عند المرجئة مثله مثل أية نظرية فلسفية أو مقولة ذهنية متى بلغت إنسانا فصدق بها حصل المطلوب، فإذا زاد على ذلك بأن أخبر بلسانه عما في قلبه فقال: " صدقت أو أقررت "، فقد تم المراد ظاهرا وباطنا.
ومن ثم اعتقدوا إن قول: لا إله إلا الله، إنما هو إخبار عما في القلب من تصديق - إذ لا يثبتون من أعمال القلب سوى التصديق - فمتى تلفظ بها عندهم فقد أصبح مؤمنا باطنا وظاهرا , بخلاف ما لو امتنع عن قولها , فإنه عند من يكفره منهم كافر ظاهرا مع جواز كونه مؤمنا باطنا، وكذلك متى ارتكب فعلا مكفرا قالوا: يكفر ظاهرا فقط، وأما من ورد الوحي بنفي الإيمان عنه لارتكابه فعلا مكفرا " كإبليس "، أو امتناعه عن الشهادتين " كاليهود " فقالوا: هذا ليس في قلبه تصديق أصلا.
وفي هذا القول من المغالطات والمكابرة ما لا يخفى، والمراد هنا بيان غلطتهم في اعتبار قول: لا إله إلا الله، إخبار مجرد. وذلك أنه إذا تقرر أن المطلوب من القلب ليس مجرد التصديق بل هو أعمال عظيمة- نذكر طرفا منها عما قليل - فإن قول اللسان لا يبقى خبرا مجردا، بل يصبح إنشاء للالتزام وإعلانا له (?)، ومن ثم كان لا بد أن يصدق العمل ذلك الالتزام أو يكذبه.