يقول أبو المعالي الجويني في باب الأسماء والأحكام بعد أن أطال النفس في تقرير صحة مذهبهم في الكلام النفسي: " اعلموا أن غرضنا في هذا الفصل يستدعي تقديم ذكر حقيقة الإيمان، وهذا مما اختلفت فيه مذاهب الإسلاميين:

1 - فذهبت الخوارج إلى أن الإيمان هو الطاعة ومال إلى ذلك كثير من المعتزلة ..

2 - وصار أصحاب الحديث إلى أن الإيمان معرفة بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. 3 - وذهب بعض القدماء (?). إلى أن الإيمان هو المعرفة في القلب والإقرار بها.

4 - وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فحسب والمرضي عندنا أن حقيقة الإيمان: التصديق بالله تعالى؛ فالمؤمن بالله من صدقه، ثم التصديق على التحقيق كلام النفس، ولكن لا يثبت إلا مع العلم، فإنا أوضحنا أن كلام النفس يثبت على حسب الاعتقاد " (?).ثم قال: " وقد يشهد لما ذكرناه إجماع على افتقار الصلوات ونحوها من العبادات إلى تقديم الإيمان، فلو كانت أجزاء من الإيمان لامتنع إطلاق ذلك (?).

فإن استدل من سمى الطاعات إيماناً بقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة:143]

قالوا: المراد بذلك - أي الإيمان - الصلوات المؤداة إلى بيت المقدس. وربما يستدلون بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وتسعون (?). خصلة، أولها شهادة أن لا إله إلا الله، وآخرها إماطة الأذى عن الطريق) قلنا: أما الإيمان في الآية التي استروحتم إليها فهو محمول على التصديق، والمراد: وما كان الله ليضيع تصديقكم نبيكم فيما بلغكم من الصلاة إلى القبلتين (?)!! وأما الحديث فهو من الآحاد (?)، ثم هو مؤول (?)، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا دل عليه أو كان منه بسبب (?).

ويقول الكمال بن الهمام - من أئمة الحنفية المتأخرين - في كتابه الذي ألفه على منوال الرسالة القدسية للغزالي:

" اختلفوا في التصديق بالقلب الذي هو جزء مفهوم الإيمان أو تمامه أهو من باب العلوم والمعارف أو من باب الكلام النفسي؟ فقيل بالأول، ودفع بالقطع بكفر كثير من أهل الكتاب مع علمهم بحقية رسالته عليه الصلاة والسلام وما جاء به، كما أخبر عنهم تعالى بقوله:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 146].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015