3 - أن الممسكين عن الفتنة هم من أكابر الصحابة رضوان الله عليهم وأفاضلهم، وقد ذكرنا بعضهم قريباً.4 - أن العبرة بالنتائج والعاقبة، ولا شك أن نتيجة الاقتتال كانت مؤلمة جداً في حين كانت السلامة في الإمساك، ولهذا ندم بعض من شارك، كما في البخاري عن شقيق بن سلمة حين سئل هل شهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست صفين (?).بل نقل شيخ الإسلام عن علي نفسه أنه قال، لله در مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، إن كان براً إن أجره لعظيم، وإن كان إثماً إن خطأه ليسير (?).

5 - أنه لا حجة في استدلال المخالفين بقتال الفئة الباغية، وذلك أن الله تعالى إنما أمر بقتال الباغية، وسماها باغية إذا رفضت الصلح ولم يأمر بقتالها ابتداء، وللصلح أبواب كثيرة، ولو بالتنازل عن بعض الحق أو كثير منه.

6 - أنه قد كان في الإمكان اتخاذ وسائل غير السيف لتهدئة الأحوال وجمع الكلمة، ومنها ما أشار به ابن عباس على علي بألا يعزل معاوية عن إمرة الشام، بل يبقيه في منصبه حتى يأخذ البيعة منه ومن أهل الشام، فإذا فعل ذلك وكانت المصلحة عزله يعزل، فإن رفض الطاعة يكون حينئذ باغياً ناكثاً. أما وهم لم يدخلوا في طاعة علي ابتداء، فإن هذا من أقوى استدلالات من يرى صواب موقفهم، لا سيما والثابت أن معاوية رضي الله عنه لم ينازع علياً الخلافة، وإنما اشترط لدخوله في طاعته تسليم قتلة عثمان (?).

ولذلك تفصيل لا مجال له هنا، وحسبنا الإشارة والتنبيه.

يبقى أن نرد قول من قال: إنه يلزم من هذا تشجيع المفسدين وقطاع الطرق، فنقول: إن قتال الفتنة- كما وقع بين الصحابة- شيء، وقتال الطرق والمفسدين شيء آخر، وقد قتل من الخوارج بالنهروان قرابة أربعة آلاف فما تألم لهم أحد، وقتل كعب بن سور يوم الجمل فتألمت لذلك الطائفتان جميعاً، فكيف بطلحة والزبير وعمار؟ فالمفسدون أقرب شيء إلى الخوارج، ولا يتحرج من قتالهم أحد، ولا يترتب عليه تمزيق صف المسلمين، بل فيه حفظ وحدتهم وأمنهم، وكذا دفع الصائل.

وأما أن يكون المرء عبد الله المقتول ولا يكون عبدالله القاتل فذلك مشروع في الفتنة بين المسلمين المختلفين اختلافاً اجتهادياً مصلحياً، والله اعلم.

والحاصل: أن هذا المذهب أقوى من مذهب من يرى أن الصواب مطلقاً هو القتال مع علي، وبالأولى هو أقوى ممن يرى أن الصواب هو القتال مع من حاربه وبذلك يتضح أنه أقوى المذاهب وأرجحها.

على أن الذي يهمنا هنا بخصوصه هو بيان خطأ أو ضلال من نسب هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم إلى الإرجاء، زاعماً أن الأمور اشتبهت عليهم فتبرءوا من الطائفتين كليهما، وأرجئوا الحكم عليهما بالإيمان- بالحق أو الباطل- إلى الله تعالى، فخلطوا بين هذا الموقف, وموقف بعض الخوارج, وموقف الشكاك الذين سبق الحديث عنهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015