فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحد مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» إذا سب فمعنى ذلك أنه خالف النهي, ولم يأتمر بأمر الرسول عليه السلام الذي يلزم منه الانتهاء عما نهى عنه, وهو ألا يسب أصحابه, وقد قال تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).
وبهذه المناسبة لا بد لي من لفت النظر إلى أن الأمر في هذا الحديث أعني في نهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - المسلمين كافة أن يسبوا أحداً من أصحابه, ذلك لا يعني من الباب الذي يسمى عند فقهاء الأصول مفهوم المخالفة, ليس لهذا الحديث مفهوم مخالفة؛ لأنه لا يجوز سب أي مسلم لا يجوز سب أي مسلم على وجه الأرض؛ لأنه مسلم يشارك الساب, والمفروض أنه أيضا مسلم مثله لا يجوز له أن يسب مسلماً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي قال: «لا تسبوا أصحابي» قد قال أيضاً: «لا تسبوا تُبَّعاً فإنه كان قد أسلم» , تُبَّع كان قد أسلم, إذن الإسلام وحده يكفي في ردع المسلم الملتزم بأحكام دينه عن أن يتوجه بسبابه إلى مسلم مثله, فمن باب أولى أنه لا يجوز أن يسب مسلماً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , ولو كان كما قال بعض التابعين أعرابيّاً بوالاً على عقبيه؛ لأنكم تعلمون أن الذين آمنوا بالنبي الأمي واتبعوه وكانوا من الرعيل الأول أي من القرن الأول الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» لا شك أن أهل القرن الأول وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - , وغيرهم أيضاً ممن شاركوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته, ولكنهم لم يتسنى لهم المجيء إليه لكنهم آمنوا به غيبيّاً, هؤلاء كلهم من أهل القرن الأول فإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد نهى المسلم أن يسب تبعاً بعلة شرعية وهي أنه كان قد أسلم, فمن باب أولى أن ينهى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يُسب أحد من أهل القرن الأول؛ لأنه أفضل الناس,