الظن. وفات هؤلاء المستدلين أن الظن المذكور في هذه الآيات ليس المراد به الظن الغالب الذي يفيده خبر الآحاد، والواجب الأخذ به اتفاقاً، وإنما هو الشك الذي هو الخرص؛ فقد جاء في "النهاية" و"اللسان" وغيرها من كتب اللغة: " الظن: الشك يعرض لك في الشيء فتحققه وتحكم عليه ".

فهذا هو الظن الذي نعاه الله تعالى على المشركين، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى فيهم: {إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} فجعل الظن هو الخرص الذي هو مجرد الحزر والتخمين.

ولو كان الظن المنعي على المشركين في هذه الآيات هو الظن الغالب كما زعم أولئك المستدلون، لم يجز الأخذ به في الأحكام أيضاً، وذلك لسببين اثنين:

الأول: أن الله أنكره عليهم إنكاراً مطلقاً، ولم يخصه بالعقيدة دون الأحكام.

والآخر: أنه تعالى صرح في بعض الآيات أن الظن الذي أنكره على المشركين يشمل القول به في الأحكام أيضاً، فاسمع إلى قوله تعالى الصريح في ذلك: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} "فهذه عقيدة" ولا حرمنا من شيء "وهذا حكم" كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن، وإن أنتم إلا تخرصون}، ويفسرها قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} فثبت مما تقدم أن الظن الذي لا يجوز الأخذ به إنما هو الظن اللغوي المرادف للخرص والتخمين، والقول بغير علم، وأنه يحرم الحكم به في الأحكام كما يحرم الأخذ به في العقائد ولا فرق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015