وقال ابن القيم أيضاً (3/ 464 - 465):
" وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - برأي أو قياس، أو استحسان، أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له - صلى الله عليه وآله وسلم - والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان بل كانوا عاملين بقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وأمثاله "مما تقدم" فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: كذا، وكذا، يقول: من قال بهذا؟ دفعاً في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذه الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان ".
قلت: وإذا كان هذا حال من يخالف السنة، وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها، فكيف يكون حال من يخالفها، إذا كان يعلم أن كثيراً من العلماء قد قالوا بها، وأن من خالفها لا حجة له
إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها، أو التقليد على ما سيأتي في الفصل الرابع.