يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح ٌ وتحميدٌ وتكبيرٌ وتلاوة للقرآن» حينما وجد هذا اللطف المحمدي تفتحت معه ذاكرته وذكرته لتوجيه السؤال بعد السؤال، قال يا رسول الله إنا منا أقوام يأتون الكهان قال: «فلا تأتوهم»، قال إنا منا أقواماً يتطيرون, قال: «فلا يصدنكم»، قال إنا منا أقوام يخطون الرًّمَل، قال: «قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطهُ خطه فذاك»، قال يا رسول الله -وهنا الشاهد- إن لي جاريه في أحد ترعى الغنم لي فسطى الذئب يوماً على غنمي، وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، وعليَّ عتق رقبة، كأنه يقول أفتجديني أن أعتقها كفارة لما علي من عتق رقبة قال:
«هاتِها» فجاءت قال لها: «أين الله» قالت في السماء، قال لها: «من أنا» قالت أنت رسول الله فالتفت إلى سيدها السائل وهو معاوية بن الحكم السلمي، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة».
الشاهد من هذا الحديث وفيه أحكام جمة كما سمعتم وفوائد عديدة، إنما الشاهد فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سألها عن عقيدة تتعلق بكل مسلم ألا هو قوله عليه السلام: أين الله؟ فأجابت بالجواب الصحيح قالت في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فحكم عليها بأنها مؤمنة لأنها أجابت عن السؤالين جواباً صحيحاً، انظروا الآن الفوارق؛ هذه جارية ترعى الغنم عرفت العقيدة الصحيحة في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) هذه العقيدة التي لا زال المسلمون يختلفون فيها اختلافًا جمًّا، ولا يزال جماهيرهم منهم بعض العرب وأكثرهم من العجم لا يزالون يجهلون هذه العقيدة الصحيحة بل ويحاربونها أيضاً، فإذا افترضنا جواً مثل هذا الجو النبوي، جارية ترعى الغنم، عرفت ما لا يعرفه كبار المشائخ في بعض البلاد، فمن كان من عامة الناس في تلك البلاد ومن أين