الذي يتضمنه القرآن الكريم ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد ثم ما الذي حدث؟
اختلطت الينابيع صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم وأساطير الفرس وتصوراتهم وإسرائيليات اليهود ولاهوت النصارى وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم وعلم الكلام كما اختلط بالفقه والأصول أيضاً، وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل فلم يتكرر ذلك الجيل أبداً ".
ثم ذكر - رحمه الله - عاملين آخرين ثم قال (ص 17):
" نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية .. تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية وتفكيراً إسلامياً ... هو كذلك من صنع هذه الجاهلية، لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا ولا يتضح تصور الإسلام في عقولنا ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة.
فلابد إذن في منهج الحركة الإسلامية: أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها، لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون الذي لم يختلط ولم تشبه شائبة نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق: وجود الله سبحانه ... ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة وقيمنا وأخلاقنا ومفاهيمنا