الزيارتين، كأسلافه السابقين، ومن الدليل على ذلك قوله عقب ما سبق نقله

عنه آنفاً.

(وجملة ما اعتمده ابن تيمية في ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... )، وهذا إنما استدل به ابن تيمية لإثبات مشروعية السفر إلى المسجد دون القبر، فيرد البوطي استدلاله بأن الحديث كناية عن أولى الأماكن بالاهتمام للتوجه إليها من مسافات بعيدة، هذه المساجد الثلاثة بدليل أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخص أماكن أخرى غير هذه المساجد بالزيارة (!).

فتأمل كيف يخلط بين الزيارة بسفر، وهو المنفي في الحديث الأول، وبين الزيارة بدون سفر، وهو المثبت في حديث قبا فلا تعارض بينهما، كما هو ظاهر، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؛ لأنه يقول بمشروعية زيارة مسجد قباء وزيارة قبور البقيع والشهداء وغيرها من القبور، ولكنه لا يجيز السفر إليها كما يدل عليه الحديث الأول، فهو قائل بالحديثين، بينما البوطي -هداه الله- ليس عنده من العلم ما يوفق بينهما لو كانا متعارضين-إلا بتعطيل دلالة الأول منهما بأنه كناية! وهذا خلاف ما فهمه السلف من الصحابة وغيرهم، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه نهى رجلاً أراد الذهاب إلى الطور فقال له: (دع عنك الطور فلا تأته) واحتج عليه بحديث النهي عن شد الرحال، وثبت نحوه عن غير واحد من الصحابة كما تراه مبسوطاً في كتابي "أحكام الجنائز" (ص224 - 231) فلو كان الحديث يعني ما ذهب إليه البوطي ما استقام نهي ابن عمر عن الذهاب إلى الطور ترى البوطي أصاب أم ابن عمر؟! فاللهم هداك.

وليس غرضي الآن مناقشة البوطي في كل ما جاء في هذه المسألة من تخاليط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015