من العرب من كانوا يعبدون الملائكة، ويزعمون أنهم بنات الله يشفعن لهم عنده (?) وقد أنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا} [الإسراء: 40]. وورد في القرآن الكريم أن الله - سبحانه وتعالى- يسأل الملائكة يوم القيامة عن عبادة الإنس لهم، فيتبرؤون منهم ومن ولايتهم، جاء هذا في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 41].
وسؤال الله تعالى للملائكة يدل على أن من الإنس من كانوا يتوجهون بعبادتهم إلى الملائكة، وقول الملائكة: [بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ] ظاهر في نفي أن يكون من الإنس من يتوجه إليهم بالعبادة، وأن المشركين إنما كانوا يقصدون بعبادتهم الجن.
ومن وجوه تفسير الآية التي يكون بها جواب الملائكة موافقاً للسؤال: أن أولئك الإنس كانوا يتوجهون بالعبادة إلى الملائكة، ولكنهم كانوا يتخيلون للملائكة صوراً، وهذه الصور إنما تطابق حال الجن، فيصح أن يقال: إن هؤلاء الإنس إنما يعبدون أصحاب تلك الصور، وهم الجن.
ومن الوجوه التي تجعل الجواب موافقاً للسؤال: أن الملائكة جعلوا عبادة الإنس لهم عبادة للجن؛ لأن الجن - وهم الشياطين - وسوسوا لهم بهذه العبادة، فنسبة عبادة الإنس للجن من جهة أنهم وسوسوا بها.