رداً على اليهود؛ حيث أنكروا أن يضرب الله الأمثال بالمحقَّرات؛ كالذباب، والعنكبوت.
ومناسبة هذه الآيات لما قبلها على مقتضى هذا الأثر: هي أن الله تعالى بعد أن نفى الريب عن القرآن بقوله: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، ونبه للدليل على إعجازه بقوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]، أشار إلى دفع شبهة أوردها الكفار قدحاً في كونه وحياً من الله، وهي أن القرآن ذكر فيه الذباب والنمل والعنكبوت، ولا يليق بكلام الله أن تذكر فيه هذه المحقرات.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}:
يستحيي: من الاستحياء بمعنى: الحياء، وهو في أصل اللغة: انقباض النفس وانكسارها من خوف ما يعاب به ويذم، وهذا المعنى غير لائق بجلال الله، وليس المراد في هذه الآية نفيه عن الله، وإنما أريد نفيُ ما يترتب عليه؛ أعني: ترك الفعل.
والمعنى: أن الله لا يترك أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها. وإطلاق الفعل كالاستحياء على ما يترتب عليه كترك الفعل، مألوف في الكلام البليغ حيث يكون المراد واضحاً.
والمثل في اللغة: الشبيه. وهو في عرف القرآن: الكلام البليغ المشتمل على تشبيه بديع كالمثلين السابقين، أو وصف غريب؛ نحو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73].
وضرب المثل: إيراده. وعبّر عن إيراده بالضرب؛ لشدة ما يحدث عنه من التأثير في نفس السامع، و (ما) في قوله: {مَثَلًا مَا}، هي ما الإبهامية