ذكره تعالى باسم الرب، وإضافته إلى المخاطبين، تقوية لداعية إقبالهم على عبادته؛ فإن الإنسان إذا اتجه بفكره إلى معنى كون الله مالكاً أو مربياً له، وتذكر ما يحفه به من رفق، وما يجود به عليه من إنعام، لم يلبث أن يخصه بأقصى ما يستطيع من خضوع وتعظيم.

{الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}:

الخلق: الإخراج من العدم إلى الوجود. والمعنى: أوجدكم بعد أن كنتم في عدم، كما أوجد الذين تقدموكم. وقدّم وصفه بخلق المخاطبين، مع أنه متأخر بالزمان عن خلق من تقدموهم؛ لأن علم الإنسان بأحوال نفسه أظهر من علمه بأحوال غيره.

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}:

لعلَّ: حرف موضوع ليدل على الترجي، وهو توقع حصول الشيء عندما يحصل سببه، وتنتفي موانعه. والشيء المتوقع حصوله في الآية هي التقوى، وسببه هي العبادة؛ إذ بالعبادة يستعد الإنسان لأن يبلغ درجة التقوى، وهي الفوز بالهدى والفلاح. والترجي قد يكون من جهة المتكلم، وهو الشائع. وقد تستعمل (لعل) في الكلام على أن يكون الترجي مصروفاً للمخاطب، فيكون المترجي هو المخاطب لا المتكلم. وعلى هذا الوجه يحمل الترجي في هذه الآية؛ لاستحالة حصول الشيء من عالم الغيب والشهادة؛ لأن توقع الإنسان لحصول الشيء هو أن يكون متردداً بين الوقوع وعدمه، مع رجحان الوقوع. والمعنى: اعبدوا ربكم راجين أن تكونوا من المتقين، وهم البالغون الغاية في الهدى والفلاح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015