ما حوله: جعلت ما حوله مضيئاً، أو أشرقت فيما حوله. وذهب الله بنورهم: أذهبه؛ أي: سلبه منهم، وإسناد {ذَهَبَ} إلى الله مشعر بان أحداً لا يستطيع أن يرده إليهم، فما يمسكه الله لا مرسل له. وقال: {بِنُورِهِمْ}، ولم يقل: بنارهم؛ لأن إيقاد النار يكون للإضاءة، وللإحراق، والمقصود من إيقاد النار الواردة في المثل إنما هو الإضاءة. وقال: {بِنُورِهِمْ}، ولم يقل: بنوره، مع أن مرجع الضمير هو {الَّذِي اسْتَوْقَدَ}، وهو بحسب الظاهر مفرد، إما لأن {الَّذِي} قد يطلق بمعنى الذين، وله شواهد من كلام العرب، ومن القرآن نفسه؛ كما قال تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]، أو لأن {الَّذِي} أريد منه جنس المستوقد، لا مستوقد بعينه، فصار في معنى جماعة من المستوقدين، وصح أن يعود عليه ضمير الجمع في قوله: {بِنُورِهِمْ}.
{وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}:
الظلمات: جمع ظلمة، وهي عدم النور وانطماسُه. وإيرادها بصيغة الجمع للمبالغة في شدتها، فكأنها لشدة كثافتها ظلمات بعضها فوق بعض. وأكد هذا بقوله تعالى: {لَا يُبْصِرُونَ}؛ أي: إن الظلمات بالغةٌ في الشدة، حتى إن أولئك المحاطين بها لا يتأتى لهم كما لا يتأتى لمن طمس على أعينهم أن يبصروا.
ولتطبيق هذا المثل على حال المنافقين وجهان: وجه على مذهب من يرى من السلف أن المثل ضرب في قوم دخلوا في الإسلام عند وصول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ثم صاروا بعد الإيمان إلى كفر ونفاق، ووجه على مذهب من يرى من السلف أيضاً أن المثل ضُرب في قوم إنما دخلوا الإسلام من أول أمرهم نفاقاً.