اقترح عليّ جماعة من الفضلاء أن أحرر خلاصة في آثار رحلتنا الشرقية، فعطفت عنان القلم لمساعفة اقتراحهم، بعد أن رسمت له الوجهة العلمية والأدبية سبيلاً لا يحيد عن السير في مناكبها، ولئن لم يلتقط الناظر منها درة علمية فائقة، فإنها لا تخلو من أن تنبسط له بملحة أدبية رائقة، وإليك التحرير:
سنح لي باعث على الرحلة إلى بلاد الشام، وهو زيارة الأهل؛ وفاء بحق صلة الرحم، فامتطيت الباخرة يوم الخميس الرابع من شعبان سنة 1330 هـ، وعندما أقلعت من مرساها، وأخذت المباني التونسية تتوارى عن أبصارنا، أخذ الحنو إلى الوطن يتزايد، وحرّ الأسف لمفارقة الأصحاب يتصاعد، حتى أصغيت إلى نفسي وهي تخاطب رائد السفينة بقولها:
حادي سفينتنا اطْرَحْ من حمولتها ... زاد الوقود فما في طرحه خطر
وخذْ إذا خمدت أنفاس مِرْجَلها ... من لوعة البين مقباساً فتستعر