ومسراته؛ بشرط أن لا يلحق بغيره ألماً وغمّاً، وتنفرد الشريعة السماوية بأن تجعل لتطبيق أحكامها بإخلاص مصلحة أخرى، وهي رضوان الله، أو نعيمه الدائم في الآخرة، وتمتاز بعد كون قوانينها أعدل وأشد مطابقة لمكارم الأخلاق، بأن الطائع لها إنما يطيع أمر ربه الأعلى، لا إرادة مخلوق قد يكون أقل منه علماً، أو أحطّ أخلاقاً، أو أسفه رأياً. وهذا المعنى الذي تختص به الشريعة السماوية، يجعل كثيراً من الناس يمتثلون قوانينها بباعث من أنفسهم، وإن أمنوا من عقوبة السلطان على مخالفتها.
وقد عقد أهل العلم خناصرهم على أن أحكام الشريعة معللة بمصالح العباد في هذه الحياة وفي تلك الحياة، وأن المصالح التي تقصدها الشريعة السماوية ترجع إلى حفظ النفس والدين والعقل والعرض والنسب والمال، فالقصاص -مثلاً- مشروع لحفظ النفس، وحدّ الزنا لصيانة النسب، وحد القذف لصيانة العرض , وعقوبة شارب الخمر لصيانة العقل، والجهاد لحفظ الدين، بل الاستعمار الأجنبي دلّ على أن الجهاد مشروع لحفظ الدين والنفس والعرض والمال، ويرشد إلى هذا قوله تعالى: {وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 8].
وكل ما شرع من أحكام المعاملات والتعازيز لا يخرج عن الاحتفاظ بهذه الحقوق.
وقد قال ابن الحاجب (?) في "مختصر منتهى السول" (?): إجماع الفقهاء