يعود على طائفة ممن شملهم الخطاب بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}. والقائل لهم ذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون. و {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}: القرآن، وشرائع الإسلام. و {أَلْفَيْنَا}: وجدنا، والمعنى: وإذا دعي أولئك الكفار إلى اتباع القرآن الذي هو منزل من عند الله، أعرضوا عنه، وقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا.
{أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}:
هذا رد عليهم، وبيان لبطلان الاعتماد في الدين على مجرد تقليد الآباء.
وهمزة الاستفهام في قوله: {أَوَلَوْ كَانَ} واقعة موقع الإنكار. والمعنى: أيتبعون ما وجدوا عليه آباءهم، والحال أن آباءهم لا يعرفون شيئاً من أمور الدين، ولا يسيرون فيها على هدى؟!.
وفي الآية إنكار للتقليد في أمور الدين، وحثٌّ على التمسك فيها بعرا الأدلة؛ أما العقائد، فلا تستقر في النفوس إلا إذا انبنت على دلائل نظرية مفصلة، أو مطوية في الصدور؛ بحيث لا تزلزلها الشبه، ولو ألقيت في زخرف من القول؛ وأما الأحكام العملية، فيجب على المكلف الأخذ فيها بغاية ما يستطيع من اجتهاد عند فقد النص، أو ترجيح عند اختلاف أهل العلم، أو متابعة من ثبت رسوخه في فهم الشريعة، وصدق لهجته عند الإفتاء. وفي ميسور الباحث أن يصل إلى معرفة من هو أهل للمتابعة من طريق ما ينقل من فتاوى الفقيه، وما يتحدث به ثقات الناس، أو يكتبونه عن سعة علمه، وصفاء بصيرته، واستقامة سيرته.
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}:
المثل: الشأن والصفة. و {يَنْعِقُ}: يصيح، ويستعمل في صيحة الحق