تولى الإمام محمد الخضر حسين القضاء في مدينة "بنزرت" من المدن التونسية الكبرى، كما تولى الخطابة والتدريس في جامعها الكبير؛ واستمر قاضياً نزيهاً عادلاً مدة سنة وسبعة أشهر، بدءاً من شهر ربيع الثاني 1323 هـ، ويبدو أنه شعر في قرارة نفسه بضيقٍ من هذا المنصب الحكومي الذي لا يتلاءم مع طبيعته، والذي رأى فيه منزلةً دون همته الكبرى، والهدفِ الذي يعمل له في خدمة الإسلام، وسرعان ما استقال ليعود إلى ميدانه العلمي الحر في رحاب جامع الزيتونة، دون أن تكبله الحكومة بهذا القيد، والذي يظهر أنها سعت إليه للتضييق عليه في نشاطه، وقد بدأت تراقبه، وتتبع خطواته.
أقام العلامة محمد الطاهر بن عاشور مأدبةً للإمام بمناسبة توليته القضاء، وألقى خطاباً "على مأدبة وداع الشيخ النحرير محمد الخضر بن الحسين إذ تعين قاضياً ببنزرت في يوم السبت مساء 15 ربيع الثاني 1323 بمنزلي بالمرسى وبحضور طائفة من الأعيان ومن رجال القلم والعلم" (?).
وأنهى الشيخ ابنُ عاشور خطابه بأبيات يقول فيها:
قَسَماً بِإِحْساسِ المودَّةِ بيننا ... أكَّدْتُ في ملأٍ منَ الأحبابِ (?)
لَسُرُورُ ساعاتٍ تُذَكِّرُ أُنْسَكُم ... في النَّفْسِ أَحْلَى مِنْ نَوَالِ طِلابِ
والآنَ قُدِّرَ أَنْ يَشُطَّ مَزارُنا ... حَتَّى يُعَوَّضَ جَمْعُنا بِكتابِ
ولتلكَ في قلبِ الصَّديقِ حزازةٌ ... ما هيَّ دونَ نوافذ النّشّابِ