طيب، وهو الحلال، أو اللذيذ المشتهى. ورزقناكم: جعلناه رزقاً لكم. ورزقُ الإنسان: نصيبه الذي يخصه دون غيره، وإن شئت فقل: هو ما يسوقه الله إليه لينتفع به. ويظهر الالتئام بين هذه الجملة وما قبلها بملاحظة فعل القول، والتقدير: وقلنا: كلوا من طيبات ما رزقناكم. وحذف القول- عندما ينساق إليه الذهن بقرينة واضحة - شائع في كلام العرب، كما قال فيه بعض علماء اللغة: حدّث عن البحر ولا حرج.
{وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}:
لما قص الله تعالى مساوئ من أفعال بني إسرائيل؛ نحو: اتخاذ العجل إلهاً، وسؤالهم رؤية الله بأبصارهم، ووصل ذلك بذكر النعم الدنيوية والأخروية التي كان يسبغها عليهم، استدعى ذلك أن يبعد عن الأذهان ما قد يخطر بها من أن تُسمى تلك القبائح التي كانت تصدر منهم ظلماً لله، فقال تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ إذ لا يصل إليه تعالى نقص مما يرتكبون من الجرائم ولا ضرر، وإنما يرجع وبال ذلك إلى أنفسهم، والإخبار عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة: {كَانُوا}، والفعل المضارع: {يَظْلِمُونَ} يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم؛ فإنك لا تقول في ذم زيد: "كان زيد يسيء إلى الناس"، إلا إذا كانت الإساءة تصدر منه المرة بعد الأخرى.
* * *