الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
ثم عاد الحديث في نظم الآيات التي بين أيدينا إلى تذكير بني إسرائيل بتلك الموبقة، موبقة الردة، ويما أضافوا إليها من مساوئ أخرى، فقال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}:
هذا معطوف على ما قبله مع ملاحظة فعل مقدر في نظم الكلام، هو: اذكروا.
والمعنى: واذكروا إذ قال موسى لقومه ... إلخ. ومعنى {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}: أضررتم بها إذ حرمتموها بعبادة العجل الثوابَ الذي تناله بالإقامة على عهد موسى - عليه السلام -. وصدَّر موسى خطابه لقومه بقوله: {يَاقَوْمِ}؛ ليذكرهم بأنه منهم، والشأن أن الرجل لا يريد بقومه إلا خيراً. ففي هذا النداء مظهر من مظاهر التلطف، يريد به جلب دواعيهم إلى الإصغاء إليه، وتلقي أوامره بحسن الطاعة.
{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}:
التوبة: الندم على ملابسة الذنب، والإقلاع عنه، والعزم على عدم العود إليه. وذلك معنى الرجوع عن المعصية إذ يقولون: تاب إلى الله؛ أي: رجع عن معصيته. والبارئ: الموجد للأشياء على ما تقتضيه الحكمة. فكأنه يقول لهم: ارجعوا بالتوية إلى من خلقكم في أحسن تقويم، فهو المستحق للعبادة، وأما العجل، فإنما يعبده من يُشبْهه في الغباوة. ومن أمثال العرب: "أبلد من ثور".
{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}:
أمر موسى قومه بقتل أنفسهم بعد أمرهم بالتوبة، فيفيد نَظْمُ الآية أن