ومعنى اتخاذهم العجل: جعلهم له إلهاً يعبدونه. والضمير في قوله: {مِنْ بَعْدِهِ} يعود إلى موسى - عليه السلام - بملاحظة مضاف يدل عليه سياق الكلام. والمعنى: ثم اتخذتم العجل من بعد ذهاب موسى إلى الطور، وأنتم ظالمون لأنفسكم بعبادة غير الله.

وكذلك كل من ارتكب شركاً أو إثماً فهو ظالم لنفسه؛ لأنه يلقي بها في شقاء وخسران، بدل أن يسمو بها إلى مقام كريم.

{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}:

العفو: محو الذنوب، وعدم المؤاخذة بها. واسم الإشارة {ذَلِكَ} يعود على اتخاذ العجل المفهوم من قوله: {اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ}. والشكر: الحديث بنعمة المنعم، والثناء عليه. وحرف (لعل) في هذه الآية ظاهر في معنى التعليل، والمعنى: عفونا عنكم إذ تبتم بعد الارتداد عن دينكم؛ لتكونوا من الشاكرين على نعمة العفو.

ومن شكر للمنعم نعمة من حيث إنها نعمة صادرة منه، كان شأنه أن يشكره على كل نعمة يُسديها إليه. فالعفو عن موبقة عبادتهم العجل بعد التوبة منها، شأنه أن يكون داعياً لشكرهم عليه، وباعثاً على قيامهم بواجب الشكر عند كل نعمة.

{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}:

{آتَيْنَا}: أعطينا. والكتاب: التوراة. والفرقان: الشرائع والأحكام؛ لأنها تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام. ويصح أن يراد من الفرقان: الآيات والمعجزات التي أجراها الله على يديه للدلالة على صدق رسالته، وسميت فرقاناً، لأنها تفرق بين دعوى الرسالة حقاً، ودعواها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015