وعلماً، ومن أهل العلم من يذهب في تأويل هذه القضية إلى أن داود - عليه السلام - أصاب الحكم، وسليمان - عليه السلام - أشار بالصلح، والصلح بين المتخاصمين متى رضيا به كان أرجح من تطبيق الحكم المقرر للقضية.
قال كاتب المقال: "فالنبي إذاً مأمور بالسير على سنة الأنبياء والمرسلين من قبله، مأمور بان يقتدي بهديهم، وهذا أمر تقضي به طبيعة الأشياء؛ لأنه لا يعقل أن يرسل الله رسولاً في وقت نبغت فيه الإنسانية، واشتد ساعد الفكر البشري، ثم يحرمه النظر والتفكير الذي أباحه لإخوانه الأنبياء في طفولة الدهر وشباب الزمان، وأباحه - أيضاً - لمتبعيه الذين يدعوهم إلى دينه، ويامرهم بالعمل بشريعته، كيف يسوغ لأحد أن يقول بحرمان النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاجتهاد، وهو مرتبة علمية من أسمى مراتب الفطنة البشرية، والبصيرة الإنسانية؟ أيمنحها الله لذوي العقول وأرباب البصائر، ثم يحرمها على الإنسان الكامل؟ ".
هدى الأنبياء الذي أمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء به ظاهر في معنى ما يكون حقاً وكمالاً مما لا تختلف فيه الشرائع , كأصول الدين، وما يرجع إلى الأخلاق الكاملة، والآداب الرفيعة، من نحو: الصبر والشكر، والحلم والزهد والعزم، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والتضرع إلى الله في كل حال.
والاجتهاد في الدين خير من جهة أنه وسيلة لتقرير أحكام شرعية، وكمال من جهة أنه دليل قوة العقل والفهم، ومن قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجتهد في الأحكام الشرعية، إنما يقصدون: أنه في غنى عن هذه الوسيلة بما يسره الله له من الوحي، وإذا نفوا عنه الاجتهاد في الأحكام لا يعنون أنه ليس له قوة التفكير