أمّا الذين ينامون على ظهورِهم فإنهم يعطِّلون جهازاً مِن أدقِّ الأجهزةِ، وهو جهازُ التسخين والتصفية، ففي الأنفِ سطوحٌ متداخلةٌ، فيها شرايينُ ذواتُ عضلاتٍ، إذا توسعتِ العضلاتُ جاءت كميةٌ كبيرةٌ من الدمِ، فإذا سارَ الهواءُ في هذه السطوحِ المتداخلةِ على نحوٍ حلزونيٍّ، ولامسَ كمياتِ الدمِ الكبيرةَ المتدفقةَ على الأنفِ بفعلِ عضلاتِ الشرايينِ عندئذٍ يسخنُ الهواءُ، ويصلُ إلى أولِ القصبةِ بدرجة 38، ولو كان قبلَ دخولِه الأنفَ بدرجةِ الصفرِ، أضِفْ إلى أنّ هذه السطوحَ فيها مادةٌ لزجةٌ، فأيُّ غبار، وأيُّ هَباب، أيُّ جسمٍ، أيُّ شيء يمكنُ أنْ يعلقَ بها، ولو تصوّرنا أنّ شيئاً مَا استطاع أنْ يسيرَ بين السطوحِ دون أنْ يلمسَها، أو أنْ يعلقَ عليها، فهناك الأشعارُ التي خلَقَها اللهُ في الأنفِ من أجلِ أنْ تصطادَ هذه الموادَّ الغريبةَ، وهذه الأشياءَ العالقةَ في الهواءِ، إنه أرقى جهازِ تسخينٍ، وأرقى جهازِ تصفيةٍ من أجلِ أنْ يصلَ الهواءُ إلى الرغامى نقياً، دافئاً، نظيفاً، مصفىً.
إذا نامَ الإنسانُ على ظهرِه، وتنفَّسَ من فمِه فكأنه عطّلَ هذه الأجهزةَ البالغةَ التعقيدِ، ولذا يرى المرءُ أنفَه عند البردِ الشديدِ أحمرَ قانياً، وإذا تنفّسَ الإنسانُ من فمِه ماذا يحدث؟ سيكونُ أكثرَ تعرضاً للزكامِ من غيرهِ، وتجفُّ لثّتُه، وإذا جفّت تراجعتْ، وتراجعُ اللثّةِ عن الأسنانِ مرضُ العصرِ، أضِفْ إلى أنّ الشخيرَ الذي لا يحتمل سببُه هو التنفسُ من الفمِ.