قال العلماءُ: إنّ ضغْطَ باطنِ الأرض ثلاثةُ آلاف وستمئة مليون ضغطٍ جويٍّ، كما أنّ ضغْطَ باطنِ الشمسِ مئةُ بليون ضغطٍ جويٍّ، وهناك نجمٌ نترويٌّ كان بحجمِ الشمسِ فصارَ قُطْرُه أربعةَ عشرَ كيلو متراً، ضغطُه مليون مليُون بليون ضغط جويٍّ، هذه هي الضغوطُ العالية.
إنّ أقْسَى عنصرٍ مضغوطٍ في الأرضِ هو المَاس، فإنه مضغوطٌ أربعةَ ملايين ضغطٍ جويٍّ، بل هو أكثرُ مِن ضغطِ مركزِ الأرضِ، لكنَّ بعضَ الهيئاتِ العلميةِ استطاعتْ أنْ تضغطَ الفحمَ العاديَّ خمسةَ آلاف ضغطٍ جويّ بحرارة ألفيْ درجةٍ، فجعَلَتْه ماساً صناعياً، والماسُ الصناعيُّ الذي في الأسواق هو فحمٌ ضُغِط خمسةَ آلاف ضغطٍ جويٍّ بحرارة ألفيْ درجةٍ.
وقد اكتشفَ علماءُ الطبِّ أنَّ الأدويةَ السائلةَ أنفعُ مِن الأدويةِ المضغوطةِ، لأنَّ الضغطَ قد يؤَثِّر على بُنْيةِ المادةِ.
ثمّةَ حقيقةٌ أَضَعُها بين أيديكم، نستفيدُ منها في الأمورِ النفسيةِ، وهي أنّ أكبرَ جوهرةٍ في العالَم ثمنُها مئةٌ وأربعون مليون دولار، لو جئتَ بفحمةٍ في حجمِها، ووازنْتَ بينهما وجدتَ أنّ الضغوطَ العاليةَ تُحِيلُ الفحمَ إلى ماسٍ.
إذا آمنَ المؤمنُ بالله، وآمنَ برسوله، وعاشَ لقضيةٍ كبرى، وتحمّل ضغوطاً عاليةً؛ فإنّ هذه الضغوطَ تُحِيلُه إلى إنسانٍ مُتَأَلِّقٍ.
هذا فحمٌ عاديٌّ، لا تساوي القطعةُ منه قرشاً واحداً، تصبحُ بالضغوطِ العاليةِ قطعةَ ماسٍ لا تُقَدَّرُ بثمنٍ.
إنّ الاسترخاءَ، والاستجمامَ، والانسياقَ وراءَ الشهواتِ واللذاتِ هذه لا تصنعُ إيماناً، ولا بطولةً، ولا تفوُّقاً، ولكنّ الضغوطَ في سبيلِ اللهِ تجعلُ الإنسانَ متألقاً.
يمكن بهذا أنْ نستفيدَ مِن هذا المثالِ الفيزيائيِّ في علاقاتنا مع الله عز وجل، فإنّ النبي عليه الصلاة والسلام عاش حياةً مفعمةً بالضغوطِ، فقد هاجرَ، وذاق ألوانَ العذابِ، وكلما ذاقَ منها شيئاً ازدادَ قرباً مِن الله عز وجل، وإنّ الأمرَ لا يتَّسع إلا إذا ضاق، وإنّ الصبحَ لا يتنفَّسُ إلا بعد ليلٍ حالِكٍ، قال سبحانه وتعالى: {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216] .