يقول تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75-76] ، والسؤالُ المطروحُ: ما مواقعُ النجومِ المذكورةُ في هذه الآيةِ؟ لهذه المواقعِ معانٍ ثلاثةٌ:
المعنى الأولُ: أنّ بين النجومِ مسافاتٍ يستحيلُ على العقلِ تصوُّرُها، فبيْنَ الأرضِ وبعضِ المجرَّاتِ على سبيلِ المثالِ عشرون ألفَ مليونِ سنةٍ ضوئية، فإذَا علِمْنا أنّ الضوءَ يسيرُ في الثانيةِ الواحدةِ ثلاثمئةِ ألفِ كيلو مترٍ، فكم يسيرُ في الدقيقةِ؟ هذا العددُ الكبيرُ ثلاثمئة ألف مضروبٌ في ستين، فكم يسيرُ في الساعةِ إذاً؟ وكم يسيرُ في اليومِ؟ وكم يسيرُ في الشهرِ؟ وكم يسيرُ في السنةِ؟
{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ، بين الأرضِ والقمرِ ثانيةٌ ضوئيةٌ واحدةٌ ونيف، أي ثلاثمئة وستون ألف كيلو مترٍ، وبين الأرضِ والشمسِ ثماني دقائقَ، أيْ مئة وستةٌ وخمسون مليون كيلو مترٍ، والمجموعةُ الشمسيةُ طولُها ثلاثَ عشرة ساعةً، ودربُ التَّبَّابنةِ طولُه مئة وخمسون ألفَ سنةٍ ضوئيةٍ، {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ، هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: أنّ هذه النجومَ ليس لها موقعٌ واحدٌ، بل لها مواقعُ، إذاً فهي نجومٌ متحركةٌ، وكلُّ شيءٍ يَسْبَحُ في فَلَكٍ خاصٍّ به، {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] .
إنّ كلمةَ (بِمَواقعِ) في هذه الآيةِ هي سرُّ إعجازِها، فالموقعُ لا يعني أنّ صاحبَ الموقعِ موجودٌ فيه، فاللهُ جلّ جلالُه لم يُقسِمْ بالمسافاتِ التي بيْنَ النجومِ، ولكنّه أقْسَم بالمسافاتِ التي بينَ مواقعِ النجومِ، ذلك لأنّ النجومَ متحرّكةٌ، وليْسَت ثابتةً، ولو قرأَ عالِمُ الفَلكِ هذه الآيةَ لخرَّ ساجداً لله عز وجل، فقد قال الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} .