الأرضُ طبقاتٌ، أَمْسِك بيْضةً، هناك القِشرةُ الكِلسيّةُ، والقِشْرةُ الرقيقةُ، وبياضُ البيضةِ، وصفارُها، غيرَ أنّ أقسى هذه الطبقاتِ الطبقاتُ الخارجيّةُ، وكلّما نَزَلْنا إلى أعماقِ الأرضِ تصبحُ هذه الطبقاتُ أقلَّ صلابةً، إلى أنْ تصبحَ لَزِجةً، إلى أنْ تصبحَ مائعةً مضطربةً، وهذه النظريّةُ أصبحَتْ حقيقةً، فكلّما اتَّجَهنا نحو بطنِ الأرضِ ضَعُفَتِ الصلابةُ، وارتفعَتِ الحرارةُ، أمّا حول مركزِ الأرضِ فثمّةَ اضْطرابٌ عجيبٌ لِمَائِعٍ ناريٍّ، وقد أشارَ القرآنُ إلى ذلك، قال تعالى: {أَءَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [المُلك: 16] .
ومعنى تمورُ، أيْ تضطرِبُ اضْطرابَ المائع، إنّنا ننْعم بالاستِقرارٍ على ظهرها، بِصَلابتِها، بِقُوَّتها، نبني بناءً شامخاً على أساسٍ متينٍ، ولو أنّ هذه الأرضَ خُسِفَتْ بنا ووصلنا إلى أعماقها لأصبحْنا على مائعٍ ناريٍّ مضطرب يمورُ، قال تعالى: {أَءَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} .
فمَنْ أخْبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو النبيُّ الأُميُّ بأنّ في باطنِ هذه الأرضِ مائعاً ناريّاً مضطرباً؟ أليس هذا القرآنُ كلامَ الله عز وجل؟.
إذا وقفْتَ عند الآياتِ الكونيّةِ في القرآنِ وجدْتَ أنَّه كلّما تقدَّمَتْ بك الدراساتُ التقيت مع وصْفِ اللهِ الموجزِ، ومع وصفِ الله المُعجِزِ، ومع وصْفِ اللهِ البليغِ.
يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى، في سورة تبارك:
{تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العزيز الغفور * الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتٍ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 1-4] .
سنقفُ عندَ قوله تعالى: {الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً} .