ونظراً لعدمِ خطورةِ ما يتقرّرُ في مجالِ الأمورِ الكونيةِ على أمرِ العقيدةِ يوم ذاك، لم يقف المفسِّرون بها عند حدودِ ما دلّت عليه النصوصُ، بل حاولوا شرْحَها بما يسَّرَ اللهُ لهم من الدرايةِ التي أُتيحَتْ لهم في عصورهم، وبما فَتَحَ اللهُ به عليهم من أفهامٍ، وكانت تلك الجهودُ العظيمةُ التي بَذَلَها المفسِّرون عبْرَ القرونِ لشرحِ نصوصِ الوحيِ المتعلِّقةِ بالأمورِ الكونيةِ - التي لم تُكشَفْ في عصرِهم - مبيّنَةً لمستوى ما وصلَ إليه الإنسانُ مِن علمٍ، في تلك المجالاتِ، ومبيِّنةً لمدى توفيقِ اللهِ لهؤلاءِ المفسِّرين، فإذا ما حانَ حينُ مشاهدةِ الحقيقةِ في واقعِها الكونيِّ، ظهرَ التوافقُ الجليُّ بين ما قرّره الوحيُ وما شاهدَتْه الأعينُ، وظهرتْ حدودُ المعارفِ الانسانيةِ المقيَّدةِ بقيودِ الحسِّ المحدودِ، والعلمِ البشريِّ المحدودِ بالزمانِ والمكانِ، وازدادَ الإعجازُ تَجَلِّياً وظهوراً.
وكَتَبَ اللهُ التوفيقَ للمفسِّرين فيما شرحوه من آياتٍ وأحاديثَ متعلقةً بأسرارِ الأرضِ والسماءِ، بفضلِ اهتدائهِم بنصوصِ الوحيِ المنزَّلِ، ممّن يعلمُ السرَّ في الأرضِ والسماءِ، ومسترشدين بما علَّمهم مِن دَلالاتِ الألفاظِ ومعاني الآياتِ.
أوجُهُ الإعجازِ العلميِّ:
1- التوافقُ الدقيقُ بين ما في نصوصِ الكتابِ والسُّنةِ، وما كشفَه علماءُ الكونِ من حقائقَ وأسرارٍ كونيةٍ لم يكن في إمكان بشرٍ أنْ يعرفَها وقتَ نزولِ القرآنِ.
2- تصحيحُ الكتابِ والسنةِ لِما شاعَ بين البشريةِ في أجيالِها المختلفةِ من أفكارٍ باطلةٍ حولَ أسرارَ الخَلقِ.
3- إذا جُمِعَتْ نصوصُ الكتابِ والسنةِ الصحيحةِ المتعلِّقةُ بالكونِ وجدتَ بعضَها يكمِّلُ الاَخرَ، فتتجلَّى بها الحقيقةُ، مع أنّ هذه النصوصَ قد نزلتْ مفرَّقةً في الزمنِ، وفي مواضِعها من الكتابِ الكريمِ، وهذا لا يكونُ إلاّ مِن عندِ اللهِ الذي يعلمُ السرَّ في السماواتِ والأرضِ.
4- سنُّ التشريعاتِ الحكيمةِ، التي قد تخفَى حكمتُها على الناسِ وقتَ نزولِ القرآنِ، وتكشِفُها أبحاثُ العلماءِ في شتَّى المجالاتِ.