شيءٌ سادسٌ: غزارةُ اللعابِ تكونُ عندَ تناول الشرابِ الحمضيِّ، فكلُّ شرابٍ فيه تركيزٌ، والتركيزُ في الشرابِ يحثُّ الغددَ اللعابيةَ على مزيدٍ من الإفرازِ، من أجلِ أن يتمدَّدَ هذا الشرابُ المكثَّفُ، من أجلِ ألا يؤذي.
شيءٌ آخرُ: اللعابُ يسهمُ في تسخينِ الطعامِ الباردِ عن طريقِ التبادلِ الحراريِّ، ويسهمُ في تبريدِ الطعامِ الحارِّ، ويسهمُ أيضاً في عمليةِ تحريكِ اللقمةِ في الفمِ، وأخطرُ من هذا كلِّه أنّ في اللعابِ موادَّ مضادةً لنخرِ الأسنانِ، وموادَّ مضادةً للجراثيمِ؛ لأنّ الفمَ مفتوحٌ على الهواءِ الطلقِ، وهو بيئةٌ صالحةٌ جداً لنموِّ الجراثيمِ، هذه البيئةُ فيها حرارةٌ ورطوبةٌ، هذانِ الشرطانِ في البيئةِ صالحانِ جداً لتكاثُرِ الجراثيمِ، لذلك كان في اللعابِ مادّةٌ مضادةٌ للجراثيمِ، التي مِن شأنِها أنْ تقتلَها في مهْدها.
فمِن موادَّ مضادةٍ للجراثيمِ، إلى موادَّ مضادةٍ لنخرِ الأسنانِ، إلى موادَّ تمدِّدُ المحاليلَ الضارةَ، إلى وظيفةِ تنظيفِ الفمِ مِن بقايا الطعامِ، إلى تليينِ اللسانِ في أثناءِ الكلامِ، إلى تليينِ اللقمةِ في أثناءِ المضغِ، إلى هضمِ أَوَّليٍّ لمحتوياتِ اللقمةِ، إلى ترطيبِ سطحِ الفمِ، ولولاهُ لكان التشقُّقُ والتقشُّر، {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] .
إنّ هذا اللعابَ الذي لا يَأْبَهُ له أحدٌ له تركيبٌ دقيقٌ، خلايا، غددٌ، وظائفُ منوعةٌ، كلّها من أجلِ أن تعيشَ حياةً كاملةً سويةً.
التفكرُ في خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، والتفكرُ في نفْسِ الإنسانِ، التي هي أقربُ شيءٍ إليه يُعَدُّ أوسعَ بابٍ للدخولِ على اللهِ، وأقربَ طريقٍ إليه، قال سبحانه وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ} [فصلت: 53] .