الإنسانُ بجبروتِه يؤذيه، وبنارِ الحقدِ يكوِيه، وبالأحزانِ يبلِيه، وهو أساسُ حياةِ الإنسانِ، وشمسُ عالمِه، عليه يعتمدُ في كلِّ أعمالِه وأحوالِه، ومنه تنبعُ كلُّ قُواهُ، وحركاتُه.. وهو آلةٌ خارقةٌ! لا يعرفُ التعبُ إليها سبيلاً، تزدادُ قدرتٌها أضعافاً كثيرةً، لتواجِهَ الجهدَ الطارئَ، إنها عضلةٌ من أعقدِ العضلاتِ، بناءً، وعملاً، وأداءً، وهي مِن أَمْتنِها، وأقواها، تنقبضُ، وتنبسطُ ثمانينَ مرةً في الدقيقةِ، ويصلُ النبضُ في الجهدِ الطارئ إلى مئةٍ وثمانينَ، ويضخُّ القلبُ ثمانيةَ آلافِ لترٍ في اليومِ الواحدِ، أي ما يعادلُ ثمانيةَ أمتارٍ مكعبةٍ من الدمِ، ويضخُّ القلبُ من الدمِ في طولِ عُمُرِ الإنسانِ ما يكفي لملءِ مستودعٍ بحجمِ إحدى ناطحاتِ السحابِ في العالَمِ.
وينفردُ القلبُ في استقلالِه عن الجهازِ العصبيِّ، فتأتمِرُ ضرباتُه، وتنتظمُ بإشارةٍ كهربائيةٍ من مركزِ توليدٍ ذاتيٍّ، هي أساسُ تخطيطِه، وتتغذَّى عضلةُ القلبِ بطريقةٍ فريدةٍ!! ومِن أعجبِ ما فيه دسّاماتُه المحكمةُ التي تسمحُ للدمِ بالمرورِ باتجاهٍ واحدٍ، وهو مبدأٌ ثابتٌ بالمضخّاتِ.
إنّ القلبَ إذَا سَكَنَ في قَفَصِهِ، واستراحَ من غُصَصِهِ خَلَّفَ وراءَه جثةً هامدةً، كأنها أعجازُ نخلةٍ خاويةٍ، لم ترَ لها مِن حياةٍ باقيةٍ، ولقد حدَّثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصادِقُ المصدوقُ عن القلبِ بقوله الموجزِ: "أَلا وَإنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ".
ورَحِمَ اللهُ أحمد شوقي إذْ يقولُ:
دَقّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ لَهُ ... إنّ الحياةَ دقائقُ وثَوانِ
فارفع لنفسِكَ قبل موتكَ ذِكْرَها ... فالذكرُ للإنسان عمرٌ ثانٍ
إنّ القلبَ الذي بينَ جوانحِنا مِن عجائبِ خَلْقِ اللهِ سبحانه وتعالى، وقد عَدَّه العلماءُ أقوى وأمتنَ عضلةٍ في النوعِ البشريِّ.