والشيءُ الثالثُ هو انّ البخارَ أو أنّ الغازَ - إن صحَّ التعبيرُ - المنتشرَ من هذا الطعامِ يتلقَّفهُ الأنفُ ليشمَّه، فطعمُ الطعامِ أساسُه شمٌّ وذوقٌّ، فكلُّ طعامٍ نأكَلُه، ونستطِيبُه، ونحمدُ اللهَ عليه أسهَمَ في تكوينِه خلايا الشمِّ مع خلايا الذوقِ، والإنسانُ حينما يُصابُ برشحٍ شديدٍ يشعرُ أنّ طعمَ الطعامِ قد اختلفَ في فمِه، هذا مِن فضلِ اللهِ جلَّ وعلا، أما في الدماغِ فهناك مركزٌ آخرُ للذوقِ، كما أنّ هناك مركزاً للشمِّ، وهذا المركزُ يستطيعُ أنْ يفرِّقَ بين عشرةِ آلافِ طعمٍ، وكما يحدثُ في الشمِّ يصلُ هذا الطعمُ إلى الدماغِ فيشعرُ به، ثم يتعرَّفُه، وتعرُّفُه به بأنْ يجريَ هذا الطعمُ على عشرةِ آلافِ طعمٍ في الذاكرةِ الذوقيةِ، فإذا توافقَ هذا الطعمُ مع طعمٍ مسجَّلٍ في الذاكرةِ قال: هذا طعامُ كذا، وهذا الطعامُ فيه المادةُ الفلانيةُ، إلى آخرِه، قال تعالى: {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] .
القلب والأوعية
القلب
العباداتُ في مجموعِها، وعلى اختلافِ أنواعِها وأشكالِها تهدفُ إلى تطهيرِ القلبِ من أمراضِه، وتحليتِه بالكمالاتِ التي أرسلها اللهُ له كي يسموَ إلى خالقِه، ويسعدَ بقُرْبِه، وينعمَ بجنّتِه.
القلبُ له في جسمِ الإنسانِ المكانُ الأولُ، وعليه في جميعِ الأمورِ المعولُ، ولا عجبَ فهو القائدُ، والجوارحُ جنودٌ له وخدمٌ، وهو الآمرُ الناهي، والأعضاءُ أتباعٌ له وحشمٌ، وحسبُك فيه قولُ الله تبارك وتعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] .
والقلبُ حقيقةُ الإنسانِ، ومِن عجيبِ أمرِ اللهِ تعالى فيه أنه جَعَلَ ببقاء قلبِ الجسدِ وصحتِه وانتظامِ عمله حياةَ الجسدِ ونشاطَه، وجعلَ بطهارةِ قلبِ النفسِ وسلامته حياةَ الروحِ وازدهارَها.
والقلبُ هو الجانبُ المدرِكُ من الإنسانِ، وهو المخاطَبُ، والمُطالَب، والمعاتَبُ، وهو محلُّ العلمِ، والتقوى، والإخلاصِ، والذكرى، والحبِّ والبغضِ، والوساوسِ، والخطراتِ، وهو موضعُ الإيمانِ، والكفرِ، والإنابةِ، والإصرارِ، والطمأنينةِ، والاضطرابِ.