أرسلَ خليفةُ المسلمين أبو بكرٍ الصدِّيقُ قائدَ جيشِه خالدَ بنَ الوليدِ إلى معركةٍ في فتوح المسلمين في العراق والشام، فطلبَ منه خالدٌ المددَ، فقد كان عددُ الأعداءِ مئةً وثلاثين ألفاً، وكان المؤمنون نحواً من ثلاثين ألفاً، فكان خالدٌ ينتظرُ خمسينَ ألفاً، أو ثلاثين ألفاً إضافيةً، فإذا برجلٍ واحدٍ اسمُه القعقاعُ بنُ عمرو، يأتي ومعه رسالةٌ، فقال له خالد بن الوليد: أين المددُ؟ قال: أنا المددُ، قال: أنتَ؟ فَتَحَ الكتاب، فإذا فيهُ: (مِن أبي بكرٍ الصدِّيقِ إلى خالدٍ بن الوليدِ، أحمدُ اللهَ إليك، لا تعجبْ يا خالدُ أني أرسلتُ إليكَ واحداً، فواللهِ الذي لا إله إلا هو إنّ جيشاً فيه القعقاعُ بنُ عمرو لن يُهزمَ) .

وكان النصرُ في هذه المعركةِ الحاسمةِ على يدِ القعقاعِ بن عمرٍو، فإنّ الرجلَ الواحدَ يكونُ بالإيمانِ كألفٍ، وإنّ ألفَ رجلٍ دونَ إيمانٍ كأفٍّ.

الذاكرة

يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى: {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُون} [الذاريات: 21] .

ما منَّا أَحدٌ إلا وفي دماغِه شيءٌ يُسمَّى الذاكرةَ، والتي لها دَورٌ خطيرٌ في حياتِنا، وقط استنبطَ هذا العلماءُ مِن قولِه تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ على مَكَانَتِهِمْ فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} [يس: 67] .

كيف ترجعُ إلى بيتِك؟ إنّك تعرفُ مكانَه، وكيف عرفْتَ مكانَه؟ إنّ مكانَه قد أودعَ في ذاكرتِك، وأنتَ في محلّك التّجاريِّ كيفَ تأخذُ من هذا المكانِ هذه القطعةَ، ومِن هذا المكانِ هذه القطعةَ، لأنّ هذه القِطَعَ كلَّها مودعةٌ في ذاكرتِك، وأنتَ في بيتِك تعرفُ مكانَ كلِّ حاجةٍ من حاجاتِك، أين أودِعَت هذه الأمورُ؟ وأنتَ في مدرستِك حينما تقرأُ بعضَ الكتبِ، وتؤدِّي امتحاناً، كيف يؤدَّى هذا الامتحانُ؟ إنّ هذه المعلوماتِ قد أودِعَتْ في الذاكرةِ، وإنّ إنساناً دونَ ذاكرةٍ مخلوق لا وجُودَ له، ويستحيلُ عليه التعلّمُ والتعليمُ، قال تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ على مَكَانَتِهِمْ فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015