إنّ الهدمَ والبناءَ المستمرَّ هو الذي يعينُ على التئامِ الكسورِ، وهذه من نعمِ اللهِ الكبرى، والهدمُ والبناءُ المستمرُّ هو الذي يجعلُ العظمَ مخزناً للكلسِ، فإذا احتاجتِ الأمُّ لتشكيلِ عظمِ وليدِها إلى كلسٍ إذْ لم يكن غذاؤُها كافياً من هذه المادةِ أَخَذَ الجنينُ من عظمِ أمِّه ما يشكِّلُ به عظمَه، فعمليةُ الهدمِ والبناءِ المستمرةُ من أجلِ أن يكونَ العظمُ مخزناً للكلسِ الاحتياطيِّ.
وهناك هرموناتٌ تنظِّمُ نموَّ العظمِ، وتنظِّمُ إيقافَه عند حدٍّ معيَّنٍ، ولولا هذه الهرموناتُ لكان الإنسانُ قزماً، أو عملاقاً، وأقصرُ إنسانٍ طولُه خمسةٌ وخمسون سنتيمتراً، ويزنُ خمسةَ كيلو غرامات، عمرُه ثلاثةٌ وعشرون عاماً، وأطولُ إنسانٍ طولُه مئتان وأربعون سنتيمتراً، فالعملقةُ والقزميةُ لها علاقةٌ بهرمونِ النموِّ، وهذا شيءٌ دقيقٌ.
الشيءُ الآخرُ، أنّ التعظُّمَ هو تحوُّلُ الغضروفِ إلى عظمٍ يبدأ من الحياةِ الجنينيةِ، ويستمرّ بعدَ الولادةِ إلى سنِّ اكتمالِ النموِّ الطوليِّ، من سبعة عشر عاماً إلى الواحد والعشرين، ويبقى في أطرافِ العظامِ طبقةٌ غضروفيةٌ، هي عند علماءِ الميكانيك ماصَّةٌ للصدماتِ، كقطعِ الكاوتشوك بين قطعِ الحديدِ، وبين كلِّ فقرتين من فقراتِ الظَّهرِ قرصٌ غضروفيٌّ يعملُ على امتصاصِ الصدماتِ، ليكسبَ الإنسانُ حياةً مريحةً.
شيءٌ آخرُ مدهشٌ، ثمَّةَ عند المفاصلِ سائلٌ لزجٌ، ينزلقُ عليه سطحٌ لزجٌ من أجلِ سهولةِ حركةِ المفاصلِ، وهذا السائلُ يتجدّدُ تلقائياً من حينٍ لآخرَ، هذا الهيكلُ العظميُّ آيةٌ من آياتِ اللهِ الدالةِ على عظمتِه.
من الآياتِ المدهشةِ التي تلفتُ النظرَ، وتعظِّمُ خالقَ الإنسانِ، هذه اليدُ التي نملكُها قال العلماءُ: "في اليدِ خمسةُ أصابعَ، وفي كل أصبعٍ ثلاثُ سلامياتٍ إلاَ الإبهام، فهو مكوَّنٌ من سلاميتين"، وهنا السرُّ.
ربما لا تصدِّقُ أنَّ حضارةَ الإنسانِ التي يزهُو بها متعلقةٌ بهذا الإبهامِ، والإبهامُ مما يتفردُ به الإنسانُ دونَ بقيةِ المخلوقاتِ.