المدينة ليشتروا أغرب ما يجدون فيها لأهلهم وأبنائهم ثم يرجعون إلى السفينة في الليل، وكان منهم نفر ممن وقع في الضلال، يتيم بأماكن اللهو والهوى ومحال الفجور والبغاء، وكان ذلك الشاب الصالح لا ينزل من السفينة أبدا، بل يقضي هذه الأيام يصلح في السفينة ما احتاج منها إلى إصلاح، فيفتل الحبال ويلفها، ويقدم الأخشاب ويشدها ويشتغل بالذكر والقرآن والصلاة وعينه ترقرق بالدموع وتنحدر على لحيته.

وفي إحدى السفرات وبينما كان الشاب منشغلاً بأعماله تلك إذا بصاحب له في السفينة ممن اتبع نفسه هواها وانشغل بطالح الأمور عن صالحها، وبسافل الأخلاق عن عاليها يهامسه ويقول: صاحي، لم أنت جالس في السفينة لا تفارقها؟ لم لا تنزل حتى ترى دنيا غير دنياك؟ ترى ما يشرح الخاطر ويؤنس النفس! أنا لم أقل لك تعال إلى أماكن البغاء وسخط الله، ولا إلى البارات وغضب الله، هيهات يا صاحبي، لكن تعال؛ فانظر إلى مُلاعب الثعابين كيف يتلاعب بها ولا يخافها، وإلى راكب الفيل كيف يجعل من خرطومه له سلمًا ثم يصعد برجليه ويديه حتى يقيمه على رجل واحدة، وآه لو رأيت من يمشي على المسامير أنى له الصبر، ومن يلقم الجمر كأنما هو تمر، ومن يشرب ماء البحر فيسيغه

كما يسيغ الماء الفرات، يا أخي انزل وانظر الناس!

فتحركت نفس الشاب شوقًا لما سمع، فقال: وهل في هذه الدنيا ما تقول.

قال صاحب السوء: نعم، وفي هذه الجزيرة، فانزل تَرَ ما يسرك، ونزل الشاب الصالح مع صاحبه، وتجولا في أسواق المدينة وشوارعها حتى دخل به إلى طرق صغيرة ضيقة، فانتهى بهما الطريق إلى بيت صغير فدخل الرجل البيت وطلب من الشاب أن ينتظره وقال: سآتيك بعد قليل ولكن! إياك إياك أن تقترب من الدار. جلس الشاب بعيدًا عن الباب يقطع الوقت قراءة وذكرًا، وفجأة إذا به يسمع قهقهة عالية ليفتح الباب وتخرج منه امرأة قد خلعت جلباب الحياء والمروءة، أواه إنه الباب نفسه الذي دخل فيه الرجل.

تحركت نفس الرجل فدنا من الباب ويصيخ سمعه لما يدور في البيت، إذا به يسمع صيح أخرى، فنظر من شق الباب ويتبع النظر أختها لتتواصل النظرات منه وتتوالى، وهو يرى شيئًا لم يألفه ولم يره من قبل، ثم رجع إلى مكانه ولما خرج صاحبه بادره الشاب مستنكرًا: ما هذا؟! ويحك، هذا أمر يغضب الله ولا يرضيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015