الشهادة، ولسانه لا ينطق بها!
فلما أفاق قلت له: يا أخي، مالي ألقنك الشهادة ولسانك لا ينطق بها؟!
قال: يا أخي، لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها.
فقلت له: بالله أكنت تزن ناقصًا؟!
قال: لا والله ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني.
فهذا حال من لا يختبر صحة ميزانه، فكيف حال من يزن ناقصًا (?).
وقال علي بن أبي طالب: جعت مرة بالمدينة جوعًا شديدًا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا، فظننتها تريد بله (المدر: الطين اليابس، تريد بله: يعني الماء) فأتيتها فقاطعتها (اتفقت معها على أجرة) كل ذنوب (دلو) على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبًا، حتى مجلت يداي (أي تورمت من العمل) ثم أتيت الماء فأصبت منه، ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها (يعني بسطهما وضمهما) فعدت لي يست عشرة تمرة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته، فأكل معي منها. في هذا الخبر بيان لشدة الحال التي مر بها علي بن أبي طالب في المدينة، ونأخذ منه صورة من السلوك المشروع في مواجهة الشدائد، حيث خرج علي للعمل بيديه للكسب المشروع، ولم يجلس منتظرًا ما تجود به أيدي المحسنين. وصورة أخرى من قوة التحمل حيث قام بذلك العمل الشاق وهو يعاني من شدة الجوع مما يضعف قوته. وصورة أخرى من إيثار الأحبة والوفاء لهم، فهو مع ما به من شدة الجوع وبالرغم مما قام به من ذلك العمل الشاق فقد احتفظ بأجرته من التمر حتى لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكل معه (?).
كان الأستاذ البنا يحسن إصلاح الساعات، وتجليد الكتب، فكان يفتخر بأنه عامل، وكثيرا ما كان يداعب الإخوان ويهددهم، بأنه سيتركهم، ويفتح محلاً، ويقول مبتسمًا: صنعة في اليد أمان من الفقر (?).