وطلبت الشقاء من الحدق المراض، وخالفت أحكام الحاكمين، فمن الملوم سوى من رمى صاحبه بالسهم المسموم؟ أو ما علمت أنه ليس شيء أضر على الإنسان من العين واللسان؟!

فقالت العين: ظلمتني أولاً وآخرًا، وبؤت بإثمي ظاهرًا وباطنًا، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك، ورائدك الدال عليك .. فأنت الملك المطاع، ونحن الجنود والأتباع، أركبتني في حاجتك خيل البريد، ثم أقبلت عليَّ بالتهديد والوعيد، فلو أمرتني أن أغلق علي بابي وأرخي عليَّ حجابي لسمعت وأطعت، ولما رعيت في الحمي ورتعت، أرسلتني لصيد قد نصبت لك حبائله وأشراكه، واستدارت حولك فخاخه وشباكه، فغدوت أسيرًا بعد أن كنت أميرًا، وأصبحت مملوكًا بعد أن كنت مليكا، هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليه الصلاة والسلام حيث يقول: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لهما سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب" [مسلم].

وقال أبو هريرة: القلب ملك والأعضاء جنوده، فإن طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبث جنوده، ولو أنعمت النظر لعلمت أن فساد رعيتك بفسادك، وصلاحهما ورشدها برشادك، ولكنك هلكت وأهلكت رعيتك، وحملت على العين خطيئتك، وأصل بليتك أنه خلا منك حب الله وحب ذكره وكلامه وأسمائه وصفاته، وأقبلت على غيره وأعرضت عنه، وتعوضت بحب من سواه والرغبة فيه منه.

فلما سمعت الكبد تحاورهما في الكلام وتناولهما الخصام قالت: أنتما على هلاكي تساعدتما، وعلى قتلي تعاونتما، ولقد أنصف من حكى مناظرتكما، وعلى لساني متظلمًا منكما

عاتبت قلبي لما ... رأيت جسمي نحيلا

فألزم القلب طرفي ... وقال كنت الرسولا

فقال طرفي لقلبي ... بل كنت أنت الدليلا

فقلت كُفَّا جميعا ... تركتماني قتيلا

ثم قالت: أنا أتولى الحكم بينكما، أنتما في البلية شريكا عنان، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان، فالعين تلتذ والقلب يتمنى ويشتهي .. وإن لم تدرككما عناية مقلب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015