سير عثمان بن عفان ابن الزبير في جماعة إلى إفريقية، سنة ست وعشرين هجريا، ليأتيه بأخبار الفتح، فسار مجدا حتى وصل إلى المسلمين هناك وأقام معهم، ولما وصل كثر الصياح والتكبير في المسلمين، فسأل جرجير ملك إفريقية عن الخبر، فقيل: قد أتاهم عسكر، ففت ذلك في عضده، ورأى عبد الله قتال المسلمين كل يوم من بكرة إلى الظهر، فلما أذن سمع منادي جرجير، يقول: من قتل عبد الله بن سعد فله مائة ألف دينار، وأزوجه ابنتي.
فخاف عبد الله على نفسه، فحضر ابن الزبير عند عبد الله بن سعد وقال له: تأمر مناديا ينادي: من أتاني برأس جرجير نفلته مائة ألف وزوجته ابنته، واستعملته على بلاده، ففعل فصار "جرجير" يخاف أشد من عبد الله بن سعد، ثم إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد: إن أمرنا يطول مع هؤلاء، وهم في أمداد متصلة، وبلاد هي لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين، ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن نجد أن ينضجروا ويملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون، ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال، وهم مستريحون، ونقصدهم على غرة، فلعل الله ينصرنا عليهم، فأحضر ابن سعد جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوا على ذلك.
وفي صباح الغد نفذ ابن سعد خطة ابن الزبير هذه، فأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم، وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالا شديدا، وهمَّ الروم بالانصراف على العادة، لم يتركهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم، ثم عاد عنهم هو والمسلمون، فكل من الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعبا .. عند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحًا من شجعان المسلمين، وقصد الروم، فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم، وحملوا حملة رجل واحد وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون، ونظر عبد الله فرأى "جرجير" وقد خرج من عسكره فأخذ جماعة من المسلمين وقصده فقتله (?).