يُرى في الطريقة التي كان أصحاب الدكاكين يعامل بها بعضهم بعضًا، أولئك التجار في الحوانيت الصغيرة، أولئك الذين لا ينادون على المارة، أولئك كانوا يبدون وكأنما ليس فيهم أيما قدر من الخوف، والحسد، حتى إن صاحب دكان منهم ليترك دكانه في عهدة جاره ومزاحمه، كلما دعته حاجة إلى التغيب بعض الوقت، وما أكثر ما رأيت زبونًا يقف أمام دكان غاب عنه صاحبه يتساءل فيما بينه وبين نفسه، ما إذا كان ينتظر عودة البائع، أم ينتقل إلى الدكان المجاور، فيتقدم التاجر المجاور دائمًا -للتاجر المزاحم- ويسأل الزبون عن حاجته ويبيعه ما يطلب من البضاعة -لا بضاعته هو- بل بضاعة جاره الغائب، ويترك له الثمن على مقعده.
هل في أوروبا يستطيع المرء أن يشاهد مثل هذه الصفقة (?).
روى أنه بعد الاتفاق على صلح الحديبية وقبل أن يدون في عقد، تمكن الصحابي الشاب أبو جندل بن سهيل بن عمرو من الفرار من سجن أبيه وقومه، حتى لحق بالمسلمين في الحديبية، ففرح به المسلمون وتلقوه وآووه، فأمسك به أبوه سهيل بن عمرو وهو المفاوض باسم قريش في هذا الصلح، وأخذ بتلابيبه وجعل يضرب وجهه بغصن شوك ويجره إليه، فصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني عن ديني؟ فزاد ذلك المسلمين شرًا وحزنًا، وجعلوا يبكون لكلام أبى جندل، وهنا قال رجل من الكفار واسمه حويطب بن عبد العزى لرجل آخر اسمه مُكرز بن حفص: ما رأيت قومًا قط أشد حبًا لمن دخل معهم من أصحاب محمد لحمد، وبعضهم بعضًا، أما إني أقول: لا نأخذ من محمد نصفنا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوة (أي لن تنال منه شيئًا حتى يدخل مكة بالقوة) فقال مكرز: وأنا أرى ذلك.
والشاهد أن مشاعر الحب والأخوة بين المسلمين في هذا الموقف هي التي جعلت اثنين من الكفار يقرران نهاية الصراع لصالح المسلمين (?).