فقال له ابنه عبيد الله: أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء؟
فقال الإمام أحمد: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف؟
وعن أبي عبد الله بن الخطيب قال: كان لأبي حمدون (أحد القراء المشهورين) صحيفة مكتوب فيها ثلاثمائة من أصدقائه، قال: وكان يدعو لهم كل ليلة، فتركه ليلة فنام، فقيل له في نومه: يا أبا حمدون! لِمَ لم تسرج مصابيحك الليلة؟ قال: فقعد وأسرج وأخذ الصحيفة، فدعا لواحد واحد حتى فرغ.
وقال القاضي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي: قال لي أحمد بن حنبل: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم سحرًا.
وكان محمد بن يوسف الأصفهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح أهلك يقتسمون ميراثك، ويتنعمون مما خلفت، وهو منفرد بحزنك، مهتم بما قدمت وما صرت إليه، يدعو لك في ظلمة الليل وأنت تحت أطباق الثرى.
4 - الوفاء والإخلاص
ومعنى الوفاء الثبات على الحب وإدامته إلى الموت، وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، فإن الحب إنما يراد للآخرة.
يقال: ما تآخى اثنان في الله فتفرق بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما.
وكان بشر يقول: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه.
واعلم أنه ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق بالدين، بل الوفاء له المخالفة.
فقد كان الشافعي آخى محمد بن عبد الحكم وكان يقربه ويقبل عليه، ويقول: ما يقيمني بمصر غيره، فاعتل محمد فعاده الشافعي رحمه الله تعالى فقال:
مرض الحبيب فعدته ... فمرضت من جزعي عليه
وأتى الحبيب يعودني ... فبرئت من نظري إليه
وظن الناس من فرط محبته أنه يفوض أمر حلقته إليه بعد وفاته، فقيل للشافعي في