الطريق، والله لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجهًا إلى المدينة، فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال:
"اللهم هذه لك، وهذه لرسولك، أبايعك علي ما بايعك عليه رسولك"، فمات حميدًا، فلما بلغ خبره أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: لو توفي بالمدينة لكان أتم أجرًا، وقال المشركون وهم يضحكون: ما أدرك هذا ما طلب، فنزلت الآية: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100].
أنها التضحية الصادقة مع الله، فرزقه الله الشهادة، فهل أنت صادق في حبك للإسلام، وعلي استعداد للتضحية من أجل نصرته؟
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر علينا أبا عبيدة ابن الجراح - رضي الله عنه - نتلقى بعيرًا لقريش، وزودنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة؛ نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط (ما يسقط من ورق الشجر) ثم نبله بالماء فنأكله. [رواه أبو داود].
عن ابن عمر قال: بلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يزيد بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- يأكل ألوان الطعام، فقال لمولى له يقال له يرفأ: إذا علمت أنه قد حضر طعامه فأعلمني، فلما حضر غداؤه جاء فأعلمه، فأتى عمر فسلم واستأذن فأذن له، فدخل فجاء بلحم فأكل عمر معه منه، ثم قرب شواء فبسط يده وكف عمر يديه ثم قال عمر: الله يا يزيد بن أبي سفيان: أطعام بعد طعام، والذي نفس عمر بيده لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم.
عليك بالتضحية بوجبة من وجباتك لإخوانك الفقراء، وليكن طعامك في هذا اليوم خشنًا، للتعود على جهاد النفس، فهو الطريق للتضحية بالنفس في سبيل الله دون تخاذل.
عن أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفًا عظيما من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة