وقال الشاعر
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلاَّ لنفسك كان ذا التعليم
8 - ابدأ بأهلك:
حدث ميمون بن مهران وزير عمر بن عبد العزيز وقاضيه ومستشاره قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فوجدته يكتب رسالة إلى ابنه عبد الملك يعظه فيها وينصحه، ويبصره ويحذره، وينذره ويبشره، وكان مما جاء فيها قوله: أما بعد، فإن أحق من وعى عني وفهم قولي لأنت، وإن الله قد أحسن إلينا في صغير الأمور وكبيرها، فاذكر يا بني فضل الله عليك وعلى والديك، وإياك والكبر والعظمة، فإنها من عمل الشيطان، وهو للمؤمنين عدو مبين، واعلم أني لم أبعث إليك بكتابي هذا لأمر بلغني عنك، فما عرفت من أمرك إلا خيرا، غير أني بلغني عنك شيء من إعجابك بنفسك، ولو أن هذا الإعجاب خرج بك إلى ما أكره، لرأيت مني ما تكره.
قال ميمون: ثم التفت إليَّ عمر وقال: يا ميمون، إن ابني عبد الملك قد زين في عيني، وإني أتهم نفسي في ذلك، وأخاف أن يكون حي له قد غلب علي علمي به وأدركني ما يدرك الآباء من العمى عن عيوب أولادهم، فسر إليه، وانظر هل ترى ما يشبه الكبر والفخر، فإنه غلام حدث، ولا آمن عليه الشيطان.
قال ميمون: فشددت الرحال إلى عبد الملك حتى قدمت عليه فاستأذنت فدخلت، فإذا غلام في مقتبل العمر .. فرحب بي، ثم قال: لقد سمعت أبي يذكرك بما أنت أهل له من الخير، إني لأرجو أن ينفع الله بك.
فقلت له: كيف تجد نفسك؟
فقال: بخير من الله عز وجل ونعمة غير أني أخشى أن يكون قد غرني حسن ظن والدي بي، وأنا لم أبلغ من الفضائل كل ما يظن، وإني لأخاف أن يكون حبه لي قد غلبه على معرفته بي، فأكون آفة عليه. فعجبت من اتفاقهما، ثم قلت له: أعلمني من أين معيشتك؟
فقال: من غلة أرض اشتريتها ممن ورثها عن أبيه، ودفعت ثمنها من مال لا شبهة