فعدت في اليوم التالي معتذرًا، فلم يقبل، وأمرني بالرجوع من حيث أتيت!! فعدت كاسف البال، ولكن لست ناقمًا، وما راعني إلا أني بعد عودتي إلى منزلي، أجد باب المنزل يدق، وإذا به الإمام الشهيد ومعه أحد الإخوان ويقول: جئنا نتغدى عندك! (?).
يقول الأستاذ عمر التلمساني: كان الأستاذ الهضيبي -رحمه الله- صارمًا يحملك على ترك الجدال في حضرته، فإذا تخاصم لديه أخوان، بادرهما بعبارته المعروفة عنه: إذا كنتما عاجزين عن إصلاح ذات بينكما فكيف تصلحان ذات بين الآخرين (?).
إذا كنت تغضب من أخيك فكيف ستصلح بين الناس؟!
انتُدب الأستاذ التلمساني لإجراء صلح بين عائلتين كبيرتين، ببلدة دمهوج بمركز قويسنا - منوفية. وكانت إحدى العائلتين من الإخوان، والأخرى غير إخوانية، وبعد استعراض مسببات الخصام وأحداثه، تبين بشكل قاطع أن الحق إلى جانب العائلة الإخوانية، وحسب توجيهات فضيلة المرشد ضرب مثلاً عمليًا لأخلاق الإسلام التي يعيشها الإخوان، فطلب من العائلة الإخوانية التنازل عن كل حقوقها، وأن يذهب رؤوس العائلة الإخوانية لزيارة العائلة الأخرى في منازلهم، ليتعلم الناس كيف يعالج الإسلام الخصومات بين الناس، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] (?).
قال الشعبي: أنفذني عبد الملك إلى ملك الروم، فلما وصلت إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته، وكانت الرسل لا تطيل الإقامة عنده، فحبسني أيامًا كثيرة حتى استحببت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟
قلت: لا، ولكني رجل من العرب، فهمس بشيء، فدُفعت إليّ رقعة، وقيل لي: إذا أديت الرسائل عند وصولك إلى صاحبك أوصل إليه هذه الرقعة.