بلغ الأمراء ذلك فعظم الخطب فيهم واحتدم الأمر واشتد، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا وتعطلت مصالحهم بذلك.
وكان منهم نائب السلطان فاستشاط غضبا فاجتمعوا وأرسلوا إليه فقالوا له: ماذا تريد؟ فقال الشيخ: نعقد لكم مجلسا وينادي عليكم للبيع لبيت مال المسلمين ويحصل عتقكم بطريق شرعي.
فرفعوا الأمر إلى السلطان فبعث السلطان إليه فلم يرجع عن قوله، فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة، فغضب الشيخ وحمل حوائجه على حمار وأركب عائلته على حمير أخرى ومشى خلفهم خارجا من القاهرة قاصدا الشام، فلم يصل إلى نصف ما يريد حتى لحقه غالب المسلمين ولم تكد امرأة ولا صبي ولا رجل يتخلف ولا سيما العلماء والصلحاء والتجار.
بلغ السلطان الخبر وقيل له: متى راح الشيخ ذهب ملكك، فركب السلطان نفسه ولحقه واسترضاه وطيب خاطره، فرجع الشيخ واتفق على أن ينادى على الأمراء لبيعهم، فأرسل إليه نائب السلطان بالملاطفة فلم يقبل الشيخ ولم تفد الملاطفة معه فانزعج نائب السلطان وقال: كيف ينادي علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟! والله لأضربنه بسيفي هذا، وركب بنفسه -نائب السلطان- في جماعته وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده، فطرق الباب فخرج ولد الشيخ فرأى من نائب السلطنة ما رأى، فعاد إلى أبيه وحكى له ما رأى، فما اهتم الشيخ بذلك ولا تغير وقال: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله. ثم خرج وكان قضاء الله قد نزل على نائب السلطان، فحين وقع بصر الشيخ على النائب يبست يد النائب وارتجف وسقط السيف من يده وارتعدت مفاصله وبكى وسأل الشيخ أن يدعو له وقال: يا سيدي الشيخ خير أي شيء تعمل؟ قال: أنادي عليكم، قال: ففيم تصرف ثمننا؟ قال: في مصالح المسلمين، قال: فمن يقبضه، قال: أنا.
فوافق وتم للشيخ ما أراد ونادى على الأمراء واحدا واحدا وغالى في ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير، وهذا لم يسمع بمثله عن أحد، رحمه الله تعالى - رضي الله عنه - (?).