وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، فقالوا له: ضع سلاحك.

فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت.

فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامتها.

فقالوا له: ما جاء بكم؟

فقال: ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك، قبلنا ذلك منه، ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبي ذلك قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله.

قال: وما موعود الله؟

قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقى، فخلص رستم برؤساء أهل فارس، فقال: ما ترون؟ هل رأيتم كلاما أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل؟

قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من هذا، وتدع دينك لهذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي، والكلام والسيرة.

ثم كان أن أبى الفرس دعوة الإسلام، واختاروا المناجزة، فنصر الله المسلمين، وهزموا فارس وسبوهم، وكان يزدجرد ملك فارس قد أرسل يستنجد بملك الصين، ووصف له المسلمين، فأجابه ملك الصين: إنه يمكنني أن أبعث لك جيشا أوله في منابت الزيتون -أي الشام- وآخره في الصين، ولكن إن كان هؤلاء القوم كما تقول، فإنه لا يقوم لهم أهل الأرض، فأرى لك أن تصالحهم، وتعيش في ظلهم وظل عدلهم.

فزع رستم

لما نزل رستم النجف بعث عينا إلى عسكر المسلمين، فانغمس فيهم بالقادسية، فرآهم يستاكون عند كل صلاة ثم يصلون فيفترقون إلى موقفهم، فرجع إليه فأخبره بخبرهم وسيرتهم حتى سأله: ما طعامهم؟ فقال: مكثت فيهم ليلة، لا والله ما رأيت أحدا منهم يأكل شيئا إلا أن يمصوا عيدانا لهم حين يمسون وحين ينامون وقبيل أن يصبحوا، وفي يوم أذن مؤذن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فرآهم يتهيأون للنهوض فنادى في أهل فارس أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015