فزاحمه فتى من قريش يريد أن يدخل قبله، فرفع فيروز يده، وضربه على أنفه، فدخل الفتى على عمر، والدم يسيل من أنفه، وحكى له ما حدث.
فقال عمر لفيروز: ما هذا يا فيروز؟ فأجره فيروز بما حدث، فأمر عمر بالقصاص.
فجلس فيروز على ركبتيه فقام الغلام ليقتص منه، فطلب إليه عمر أن يتمهل، وقال له: سمعت رسول الله ذا غداة، يقول: "قُتل الليلة الأسود العنسي الكذاب؛ قتله العبد الصالح فروز الديلمي" فلما سمع الفتى أن الرسول قال عن فيروز أنه عبد صالح، عفا عنه، فأعطاه فيروز سيفه وفرسه وثلاثين ألفا، فقال عمر للقرشي: يا أخا قريش، عفوت مأجورا وأخذت مالا.
إنه العدل العمري الذي تعلمه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ذات يوم خرج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى سوق المدينة يتفقد أحوال الرعية، وفي يده درته، فرأى سلمة بن الأكوع يسير في وسط الطريق، فضربه عمر ضربة خفيفة بالدرة فأصابت طرف ثوبه وأمره أن يسير في جانب الطريق، فلما كان العام التالي قابله عمر في نفس الموضع، فقال له: يا سلمة أتريد الحج؟
فقال سلمة: نعم يا أمير المؤمنين، فأخذ عمر بيده، وانطلق به إلى منزله، فأعطاه ستمائة درهم، وقال له: استعن بها على حجك، واعلم أنها بالخفقة (الضربة الخفيفة) التي خفقتك بها العام الماضي.
قال سلمة: يا أمير المؤمنين، ما ذكرتها.
قال عمر: وأنا ما نسيتها.
عمر يتذكر موقفه يوم القيامة وحساب الله فيسارع إلى العدل وإرضاء الآخرين، انظر ماذا ستفعل إذا كنت مسئولا عن الرعية؟
حمى عمر أرضا قرب المدينة لترعى فيها دواب المسلمين -ومعنى حمايتها أي جعلها ملكا عاما بين الجميع- ولكنه لم يكتف بذلك، فجعل هذا الحمى لمصلحة الطبقة الفقيرة،