تولاهما الله فثبتهما بعد أن هما بالانسحاب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] وحاول عبد الله بن حرام -والد جابر بن عبد الله- تذكير هؤلاء المنافقين بواجبهم في هذا الظرف الدقيق، فتبعهم وهو يوبخهم ويحضهم على الرجوع، ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم عبد الله بن حرام قائلا: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه.

قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 167].

يقول سيد قطب: لقد كان في استطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة، التي تعرضت لها، وهي بعد ناشئة ومحاطة بالأعداء من كل جانب، والعدو رابض في داخل أسوارها ذاتها، نقول كان في استطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة التي تعرضت لها، لو أنه قضى برأيه في خطة المعركة مستندا إلى رؤياه الصادقة، وفيها ما يشير إلى أن المدينة درع حصينة، ولم يستشر أصحابه، أو لم يأخذ بالرأي الذي انجلت المشورة عن رجحانه في تقدير الجماعة، أو لو أنه رجع عن الرأي عندما سنحت له فرصة الرجوع، وقد خرج من بيته، فرأى أصحاب هذا الرأي نادمين أن يكونوا قد استكرهوه على غير ما يريد، ولكنه -وهو يقدر النتائج كلها- أنفذ الشورى، وأنفذ ما استقرت عليه، وذلك كي تجابه الجماعة المسلمة نتائج التبعة الجماعية، وتعلم كيف تتحمل تبعة الرأي، وتبعة العمل، لأن هذا في تقديره - صلى الله عليه وسلم - وفي تقدير المنهج الإسلامي الذي ينفذه أهم من اتقاء الخسائر الجسيمة، ومن تجنب الجماعة تلك التجربة المريرة، فتجنيب الجماعة التجربة معناه حرمانها الخبرة، وحرمانها المعرفة، وحرمانها التربية (?).

بيت المقدس

بعد الانتصار الذي أيد الله به المسلمين على أعدائهم الروم في أجنادين، حاصر جيش المسلمين الروم في بيت المقدس وضيقوا عليهم حتى وافقوا على الصلح فأرسل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015