الرفق في التبليغ:

كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فرد عليه تلميذ النبوة بجواب مليء بفقه الدعوة: "أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا" [رواه البخاري].

يخاف السآمة على جيل التابعين فكيف بجيل القرن العشرين؟! ولا ينفرد ابن مسعود بهذا الفقه دون الصحابة، بل إن ذلك سمة بارزة فيهم -رضوان الله عليهم جميعا- فهذا عمر - رضي الله عنه - يقول على المنبر: أيها الناس لا تبغضوا الله إلى عباده.

فقيل: كيف ذاك أصلحك الله؟

قال: يجلس أحدكم قاصا فيطول على الناس حتى يبعض إليهم ما هم فيه، ويقوم أحدهم إماما فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه.

وهذا ابن عباس يقول: حدث الناس كل جمعة، فإن أكثرت فمرتين، فإن أكثرت فثلاثا، ولا تمل الناس من هذا القرآن ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم، وقال: أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وإياك والسجع في الدعاء فإني عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلونه.

وإذا أخذت بأقوال الصحابة وفقههم فإنك في مأمن من أن تكون من النفر الستة الذين ذكرهم ابن عبد البر حين قال: كان يقال: ستة إذا أهينوا فلا يلومون إلا أنفسهم:

- الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها.

- وطالب الفضل من اللئام.

- والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه فيه.

- والمستخف بالسلطان.

- والجالس مجلسا ليس له بأهل.

- والمقبل بحديثه على من لا يسمع منه ولا يصغى إليه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015