والحلوب" .. فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم" [رواه مسلم]. ويقال إن هذا الأنصاري هو أبو الهيثم بن التيهان.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد حجرا على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبسم حين رآني وعرف ما في وجهي وما في نفسي ثم قال: "أبا هر"، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "الحق" ومضى فاتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت فوجد لبنا في قدح فقال: "من أين هذا اللبن؟ " قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة قال: "أبا هر" قلت: لبيك يا رسول الله قال: "الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي"، قال: وأهل الصفة أضياف الاسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاءوا وأمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟! ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا واستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: "أبا هر"، قلت: لبيك يا رسول الله قال: "خذ فأعطهم"، قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح حتى انتهيت إلى اللبن وقد روى القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال: "أبا هر" قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "بقيت أنا وأنت" قلت: صدقت يا رسول الله، قال: "اقعد فاشرب" فقعدت فشربت، فقال:" اشرب" فشربت، فما زال يقول اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا، قال: "فأرني" فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة. [رواه البخاري].